خمسون عامًا على حرب مجيدة «١2 »

خمسون عامًا على حرب مجيدة «١-2 »

المغرب اليوم -

خمسون عامًا على حرب مجيدة «١2 »

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

لم تكن المصادفة هي التي جمعت ما بين ظهور فيلم «جولدا» (جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣) إخراج «جاى ناتيف» وبطولة «هيلين ميرين» قبل شهر تقريبًا من الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر ١٩٧٣ المجيدة؛ وكم هائل من المؤلفات كُتُب ومقالات شبه يومية عن الحرب وما حدث فيها. القصة المحورية في الذكرى هي كيف فوجئت إسرائيل ونخبتها السياسية والعسكرية بالحرب؛ وكيف بعد ذلك نجحت في تحقيق انتصار في حرب لم تبدأها. مع غزارة ما يُنشر يبدو وكأنه بُعد جديد داخل السياسة الإسرائيلية الحالية، التي تدعو المواطنين الإسرائيليين إلى الوحدة من الانقسام الشديد الذي يعيشون فيه، مادام الأعداء الذين فاجأوا إسرائيل من قبل يمكنهم الآن تحقيقها مرة أخرى. البُعد الآخر لما يأتى في الصحافة الإسرائيلية أنها موجهة إلى الخارج وإلى الولايات المتحدة بشكل خاص، حيث يوجد الانتقاد المتزايد للأوضاع السياسية الداخلية في إسرائيل؛ وحيث يبدو الجناح التقدمى من الحزب الديمقراطى ضاغطًا مع غيره من الديمقراطيين المستائين من حال «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط». وكل ذلك من أجل سياسات إسرائيلية أشد مرونة فيما يتعلق بالعلاقات مع الفلسطينيين وتحقيق اتفاق «تطبيع» بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ولكن الهدف في النهاية هو منح إسرائيل نصرًا في حرب لم تحرزها لأن جائزة الحرب كلها كانت دائمًا الأرض وسيناء المقدسة، التي في النهاية عادت إلى مصر غير منقوصة؛ وهى الآن تشهد أكبر عملية تعمير وتحديث لم تشهدها طوال التاريخ، حيث انفتحت شرايينها على الوادى والدلتا، بينما باتت قناة السويس إقليمًا صناعيًّا لوجستيًّا لم تعرفه مصر من قبل.

والثابت هو أن الرئيس أنور السادات لم يكن رئيسًا عاديًّا من رؤساء مصر، حيث كان واحدًا من قلة وضعت بصمتها على التاريخ المصرى وعلى تاريخ العالم عندما شكّل مدرسة متكاملة في السياسة الدولية حول علاقة القوة بالدبلوماسية والسلام وتحقيق المصالح الوطنية. ويشهد كل مَن اقتربوا من الرجل بأنه كان لديه وضوح شديد في تحديد أهدافه؛ وفى الطريق إلى تحقيقها، فإن معادلته قامت على المرونة الشديدة في الشكل، والصلابة غير العادية في المضمون. لم يكن الشكل أقل أهمية من المضمون، ولكن مهمته مختلفة، وهى تهيئة الأجواء والبيئة التفاوضية التي تسمح بتحقيق ما تذهب إليه الدولة. بمعنى آخر أن مرونة الشكل تسمح بتهيئة الخصم لكى يقبل بما لم يكن يقبل به، خاصة لو كانت توازنات القوى وتحيزات النظام الدولى حاسمة فيما يتعلق ببقاء الطرف الآخر. ضمن هذا الإطار، أقام الرئيس السادات مدرسة استراتيجية كاملة تقوم على استخدام الوسائط المصرية، وما تملكه الدولة من أدوات لتحقيق الأهداف الوطنية. ما يُضاف على ذلك من حلفاء أو أصدقاء سوف يمثل دعم القدرات المصرية، وتأكيدًا على إمكانية الانتصار. هذه المدرسة تقوم على مجموعة من الركائز المفهومية، التي كثيرًا ما غابت عن الفكر الاستراتيجى المصرى السابق على السادات، وكانت سببًا في حدوث كوارث كبرى، ولكن حرب أكتوبر كانت أبرز التجليات العظمى لهذه المدرسة، بما فيها قدراتها الفائقة في استخدام المخابرات لتعزيز المفاجأة الاستراتيجية التي أذهلت «جولدا مائير» ورفاقها.

والحقيقة أنه رغم مرور خمسين عامًا على حرب أكتوبر، فإن أكثر ملفاتها الذي لا يزال غامضًا هو دور المخابرات المصرية رغم دورها المحورى في الحرب، وخاصة ما يتعلق بالخداع والمفاجأة الاستراتيجية واستخدام الاختراق البشرى للدوائر النافذة داخل إسرائيل. القصة التي جعلت هذا البُعد ذائعًا هي التي تعلقت بالدور الذي قام به الدكتور أشرف مروان- مدير مكتب معلومات الرئيس السادات أثناء فترة الحرب، زوج ابنة الرئيس جمال عبدالناصر، رئيس الهيئة العربية للتصنيع الحربى بعد الحرب، رجل الأعمال فيما بعد عام ١٩٧٦- خلال حرب أكتوبر. وجاءت المعلومات الخاصة بهذا الدور في كتاب لرئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلى «إيلى زاعيرا» بأنه كان عنصرًا من المخابرات المصرية تم زرعه في طريق إسرائيل، وخلالها قام بتضليل القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر. وأصبحت القصة أكثر شهرة عندما قام بكتابتها الكاتب الإسرائيلى «يورى بارـ جوزيف»؛ وبات معروفًا أنها سوف تتحول إلى فيلم سينمائى يحسم من وجهة النظر الإسرائيلية أن الدكتور أشرف مروان كان يعمل في قلب السلطة المصرية لصالح إسرائيل. في النهاية، فإن شبكة «نتفليكس» الأمريكية قامت بعمل فيلمين، أحدهما يحمل وجهة النظر الإسرائيلية، والآخر يحمل وجهة النظر المصرية بأن الرجل كان بطلًا مصريًّا عظيمًا يعمل وسط منظومة استراتيجية لبطل عظيم. موعدنا في مقال الثلاثاء!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خمسون عامًا على حرب مجيدة «١2 » خمسون عامًا على حرب مجيدة «١2 »



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 23:13 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

جيش الاحتلال الإسرائيلي: نسيطر على 75% من قطاع غزة
المغرب اليوم - جيش الاحتلال الإسرائيلي: نسيطر على 75% من قطاع غزة

GMT 10:45 2025 الثلاثاء ,10 حزيران / يونيو

تاه جاهز للعب مع بايرن في مونديال الأندية

GMT 15:33 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

استقرار مؤشرات الأسهم اليابانية في ختام التعاملات

GMT 10:19 2022 الجمعة ,18 شباط / فبراير

الرجاء المغربي ينهي استعداداته لقمة وفاق سطيف

GMT 13:30 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"هواوي" تطرح أجهزة رائدة في السوق المغربية

GMT 07:05 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بعد إصابتها بـ”كورونا” الفنانة المصرية نشوى مصطفى تستغيث

GMT 13:00 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

أحدث صيحات فساتين الزفاف لعام 2020

GMT 12:10 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي حقيقة صورة محمد هنيدي مع إعلامي إسرائيلي

GMT 00:44 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

بولهرود يغير وجهته صوب "ملقا الإسباني"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib