التشبث بالسلطة

التشبث بالسلطة

المغرب اليوم -

التشبث بالسلطة

سليمان جودة
بقلم : سليمان جودة

علاقة الإنسان بكرسي السلطة لا تزال غامضة بقدر ما هي معقدة، ولا تزال تشغل علماء النفس الكبار، ومن الممكن أن تعود إلى كتاب مذكرات الدكتور أحمد عكاشة مثلاً، وستجد للرجل كلاماً مهماً في هذا الشأن.

ولا يمكن أن تتابع حالة عمران خان على سبيل المثال، ثم لا تجد نفسك في حاجة إلى تفسير يقدمه علماء النفس لهذه الحالة، ولغيرها طبعاً، ولكن حالته لا تزال هي الأحدث، ولا تزال تملأ العناوين في وسائل الإعلام، منذ أن غادر كرسي رئيس الوزراء في بلاده.

فهو كان نجماً لرياضة الكريكيت طول حياته، ولم تكن نجوميته في باكستان وحدها ولكنها كانت على مستوى العالم، ولم يكن هناك لاعب آخر ينافسه، وكان متحققاً في هذه الرياضة على أحسن ما يكون التحقق، وكان نموذجاً أمام شباب كثيرين في أنحاء الأرض.

ولكنه ما إن دخل الانتخابات وفاز بها، حتى وجدناه ينضم إلى الذين يقال عنهم إنهم «ذاقوا حلاوة السلطة» فلم يعودوا يعرفون كيف يفارقونها، ولا كيف يتجاوزون طعمها في أفواههم، ولا كيف يمكن أن يعيشوا بغيرها كما كانوا قبلها؟

عندما غادر عمران منصبه وجاء في مكانه شهباز شريف، لم يشأ أن يُسلّم بذلك، وعدّ أن الكرسي لا يزال من حقه، وأن الذي يشغله من بعده قد حصل عليه من دون وجه حق، ولذلك، لم ينشغل بشيء أبداً منذ أن فقد رئاسة الوزارة، إلا بالسعي إلى استعادتها بكل طريقة، ولم يهتم بما يمكن أن يصادفه على الطريق من نكسات، وراح يواصل السعي المحموم نحو العودة إلى السلطة من جديد.

كان يخرج من مشكلة مع الشرطة في بلده، ليدخل في مشكلات لا مشكلة واحدة، وكان لا يهدأ في سبيله إلى أن يعود كما كان رئيساً للحكومة، وقد انتهى به الأمر إلى أن يدخل السجن ثلاث سنوات، بعد أن ألقت الشرطة القبض عليه في مدينة لاهور، لأنه متهم بالكسب غير المشروع، ولأن عليه أن ينفذ العقوبة المقررة لذلك.

المشهد لمن يتابعه من أوله يشير إلى «شيء ما» في السلطة لا يراه الذي يجلس خارجها، ويؤشر على «شيء ما» كامن في الكرسي لا يشعر به غير الجالس عليه، وهذا ما تراه مجسداً في حالة عمران خان، وتراه في حالات أخرى طبعاً، لأن خان ليس فريداً من نوعه في هذه المسألة أمامنا.

ولا ينافسه في رغبته التي تسيطر عليه تماماً، إلا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي لما غادر البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2021، تصرف وكأنه فقد الحياة نفسها، ولم يعد له همّ في الدنيا إلا أن يستعيد هذه الحياة التي فارقته، وإلا أن يدخل البيت الأبيض من جديد، وهو في سبيل هذا الهدف قد استخدم كل ما لديه من أسلحة، وقاتل ولا يزال كما لم يقاتل رجل في سبيل السلطة!

وكان مصطفى أمين قد قال ما أغضب منه مسؤولين كباراً في أيام الرئيس حسني مبارك، مع أنه لم يكن قد قال سوى ما نراه بأعيننا في حالة خان، وفي حالة ترمب من قبل خان، وأيضاً في حالة بنيامين نتنياهو من بعدهما، فالثلاثة لا ينطبق عليهم شيء بقدر ما ينطبق عليهم ما كان مصطفى أمين قد قال به ذات يوم.

كان قد قال إن المسؤول يفقد نصف عقله يوم يتولى منصباً، ثم يفقد النصف الثاني في اللحظة التي يغادر فيها المنصب.

يومها قامت الدنيا على صاحب عمود «فكرة» الشهير، وبلغ الغضب منه والسخط عليه إلى حد أن رأس الدولة المصرية وجّه إليه عتاباً علنياً شديداً على ما قاله، ولم يكن الغضب منه في محله، ولا كان السخط عليه في موضعه، لأنه كان يتحدث عن حالة إنسانية عامة، أكثر منها حالة مصرية خاصة، ولا دليل على ذلك إلا ما نراه في هذه الحالات الثلاث بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية، إلى الدولة العبرية، ثم إلى باكستان.

وقد بلغ تمسك نتنياهو بالسلطة وتشبثه بها، إلى حد غير مسبوق في تاريخ إسرائيل كله، وإلا، فهل هناك ما هو أشد تشبثاً من أن يقود «عملية إصلاحية» في القضاء، وأن يتقدم بتعديلات قانونية تضمن عدم خروجه من السلطة إلا إذا اعترف هو بنفسه، بأنه غير قادر جسدياً أو عقلياً على ممارسة مهام منصبه في رئاسة الحكومة؟

يعني لا يكفي أن يكون غير قادر على المستويين، ولكن لا بد من أن يعترف هو بهذا، وأن يُقر بعجزه على المستويين، أو على مستوى واحد منهما!

لم يكن عمران خان يبالي بما سوف يقابله في سعيه نحو استعادة الكرسي، ولم يكن يعرف أنه يمكن أن ينتهي حبيس جدران أربعة، ولكنه انتهى على هذا النحو، ولو خرج فالظاهر أنه سيستأنف السعي من جديد في ذات الاتجاه، ولا يختلف حاله عن حال ترمب، ولا عن حال نتنياهو، ولا شيء يفسر هذا كله سوى السر الكامن في الكرسي، والذي يبدو وكأن من شروط رؤيته أن تجلس بنفسك على الكرسي، لأنه لا يتجلى إلا للذين خاضوا الطريق للسلطة إلى نهايته، وإلا للذين ذاقوا حلاوتها على مقاعدها، فلم يعودوا يجدون حلاوة لشيء غيرها.

الثلاثة يرسمون ما يشبه الظاهرة في ثلاث دول، ويتصرفون في أماكنهم وكأنهم على موعد، وبغير سابق اتفاق بينهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التشبث بالسلطة التشبث بالسلطة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 00:30 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد
المغرب اليوم - هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib