ماذا جرى للستر في عالم الفضح
أخر الأخبار

ماذا جرى للستر في عالم الفضح؟

المغرب اليوم -

ماذا جرى للستر في عالم الفضح

مأمون فندي
بقلم : مأمون فندي

 

ماذا جرى لمفهوم الستر في عالم الفضح و«السوشيال ميديا»؟ مفهوم الستر عند العرب هو مفهوم متعدد المعاني والدلالات، ففيه من معاني التغطية مقابل معاني الكشف والفضح، (يا صاحب السر منا لا تكشف الستر عنا). ومن معانيه الستارة والحجب، وفيه أيضاً من معاني السر مقابل الجهر، وهنا بُعد ديني يخص الجهر بالمعاصي أو البلوى، في سياق: «إذا بليتم فاستتروا»، ومع ذلك فليس كل الجهر معصية، فالجهر المحمود له مكانه: «وأما بنعمة ربك فحدث».
وللستر أبعاد ثقافية ودينية واجتماعية تكاد تكون كالبصلة، قشرة فوق قشرة، وطبقات بعضها فوق بعض. وظني أنه مفهوم فيه خصوصية عربية يندر وجودها في الثقافات الأخرى بالمعنى الواسع والشامل.
عالم «السوشيال ميديا» الجديد، وخصوصاً في ظاهرة «إنستغرام» و«سناب شات» و«تيك توك» و«يوتيوب» جعل من الفضح سلعة يمكن بيعها، ولها تسعيرة مادية، ومن هنا ننتقل إلى ثمن الفضح (monetised) الاجتماعي.
في هذا العالم الجديد، الإنسان هو من يفضح أحواله ولا يحتاج لمن يفضحه، ومع ذلك رغم ازدياد الفضح الشخصي فإن الفضح فيما هو عام في مجالات السياسة والاقتصاد يتناقص كثيراً، لدرجة أن التغطية الصحافية أصبحت حرفياً وسيلة تغطية لا وسيلة كشف.
في عالم تجاوز مفهوم الستر في الخاص أيضاً، حدث ما يمكن تسميته «تطبيع الفضيحة»، أي أن الفضيحة الشخصية لم تعد تلفت الأنظار، ولا بد من أن تصل لمستويات قصوى حتى تصل إلى مستوى «الترند»، كتقطيع جسد امرأة في العلن، مثلما حدث في فتاة المنصورة نيرة أشرف التي قطع زميلها رأسها أمام بوابة الجامعة، وكذلك مقتل فتاة أخرى (سلمى بهجت) الأسبوع الفائت في مدينة الزقازيق (محافظة الشرقية). فقط بالتطرف في القتل، والتفنن في لفت الأنظار، يمكن أن يكون الفضح متجاوزاً لما هو مطبع، ويمكن أن يصل إلى مستوى «الترند». فبدلاً من تسابق المجتمعات في البحث عن الستر، دخلنا مرحلة البحث عن الفضح. القتل في العلن وما دونه لا يلفت الأنظار. وفي كلتا الفضيحتين السابقتين (الجرائم) لا الصحافة قامت بالاستقصاء المطلوب، ولا البوليس والبحث الجنائي شرح الأسباب، ولم يكن هناك تدخل استباقي لمنع الجريمة. ومن هنا يمكن القول إنه حتى الأجهزة الأمنية تم تخدير عقلها، لترى أن القتل بهذه البشاعة أصبح طبيعياً ولا يحتاج إلى تفسير.
الستر في بعضه ما زال موجوداً فيما يمكن تسميته «الستر الانتقائي» في إطار: «اللي يحبك يبلع لك الزلط واللي يكرهك يتمنى لك الغلط»، أي أننا نفضح ما نريد ومن نريد، ونغطي من نريد وما نريد.
فكم ممن أجرموا يمشون في الأرض دونما أن يلفتوا نظرنا؛ لأننا قررنا جميعاً أننا تجاوزنا الحادثة، فقد يحاكم فرد ويخرج بعفو صحي، ثم يمارس حياته بكامل اللياقة، وقد نسي المجتمع الجريمة. وهذا النوع من المؤامرة الاجتماعية على الستر أو غض الطرْف، يتسيد المشهد في عالم «السوشيال ميديا» الجديد الذي يكون الفضح لا الصمت هو الأساس.
نظن أحياناً أن الغطاء في رمزية غطاء الرأس عند المرأة هو التيار الجارف، وأن الفضح ينحسر، ولكن من يراقب «السوشيال ميديا» يرى بوضوح أن الفضح والتغطية أو الستر يعملان معاً، وبالقوة ذاتها، كحالة طفلين ملتصقين. فقط نلاحظ ما هو مركز لاهتماماتنا؛ سواء أكانت التغطية أو الفضيحة.
موضوع الستر في عالم «السوشيال ميديا» بشقيه الخاص والعام، يحتاج إلى حوار في مجتمعاتنا من مداخل مختلفة: ثقافية، واجتماعية، وسياسية، وحتى دينية. نحتاج إلى حوار حول «تسليع» النفس، وحول «سوقية» العرض الكاذب الذي يقدمه البعض.
المشكلة هي ليست في الستر والفضح، ومَن ينتج هذا المحتوى السوقي، ولكن المشكلة أيضاً في المستهلك لهذا المحتوى. ونحن جميعاً مذنبون في الاستهلاك السيئ، ولولا وجود مستهلك للسلع السيئة لتوقف أصحابها عن إنتاجها.
الستر بالمعنى القديم والدلالات الأوسع تغيرت معانيه في هذا العالم الجديد، ونحن جميعاً مطالبون بالتأمل العميق، ومتابعة هذا التغير الذي يحدث للمفاهيم الأساسية لثقافتنا، حتى لا نجد أنفسنا نسبح في ماء تلوث كله، ونحن آخر من يعرف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا جرى للستر في عالم الفضح ماذا جرى للستر في عالم الفضح



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 20:41 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تشعر بالغضب لحصول التباس أو انفعال شديد

GMT 16:12 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

اجتماع لروساء الرجاء البيضاوي للخروج من أزمة النادي

GMT 11:07 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المدرب طاليب يكسب ثقة مسؤولي وجمهور الجيش

GMT 15:55 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تعرف على أفضل العطور النسائية لعام 2019

GMT 06:50 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفضل المعالم السياحية في "كوتا كينابالو"

GMT 04:58 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"البرغموت" المكون الثابت لجميع العطور

GMT 09:27 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سيد عبد الحفيظ يكشف موعد تجديد تعاقد أحمد فتحي

GMT 01:55 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

حسنية أغادير يفرض التعادل على سريع وادي زم من دون أهداف

GMT 04:58 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

هيلاري كلينتون قوضت الأمن الأميركي وسيطرت على زوجها

GMT 09:13 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

عطر "nat fresh" الأكثر شهرة في مجموعة زهور الريف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib