مرآة غزة

مرآة غزة

المغرب اليوم -

مرآة غزة

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

حملت غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) مرآتها، ليرى الفلسطينيون أنفسهم فيها، ولترى كذلك المنطقة نفسها في هذه المرآة، ويرى العالم نفسه أيضاً كما هو على مستويات متعددة، ثقافية وأمنية واستراتيجية.

وأبدأ بالعالم قبل المنطقة، وخصوصاً القوى العظمى من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من ناحية، ثم الصين وروسيا وتابعيهما من ناحية أخرى. بدا العالم الأكبر وكأنه قادم من عالم الشاعر الآيرلندي ويليام بتلر ييتس W.B. Yeats في قصيدته الأشهر القدوم الثاني (للمسيح) The Second Coming؛ حيث «الصقر يحوقل في الدائرة الواسعة ولا يصغي للصقار، والأشياء تتداعى، والمركز ينهار ولا يقوى على الصمود، ولا شيء سوى الفوضى تلف العالم».

كان واضحاً في التصويت الأول والثاني في مجلس الأمن على مشروع قرار قدمته البرازيل من أجل هدنة إنسانية، أن مركز العالم مختل... تصويت تعترض عليه 4 دول كبرى في التصويت الأول، و«فيتو» أميركي في الثاني. ويأتي رئيس أكبر قوة في العالم إلى إسرائيل، ومن قبله أرسل بوارجه الحربية من أجل القضاء على منظمة اسمها «حماس»، بحشد يشبه ذلك الذي حشدته أميركا لضرب العراق عام 2003. تأتي أميركا إلى المنطقة بعد هجران، وبعد أن تركت فقط قيادتها المركزية محدودة القدرات في الشرق الأوسط، وتوجهت صوب الأطلسي وصوب أوكرانيا، تعود الآن إلى المنطقة بعد أن «استدعتها» منظمة صغيرة بحجم «حماس» و«كتائب القسام». ودوماً في تاريخ الإمبراطوريات، عندما ينهار المركز تحدد القوى المحلية مهما كان صغرها ملامح المشهد، فالصقر ابتعد كثيراً عن الصقار. وتدور الرحى كما يقول ييتس في قصيدته.

جاء وزير خارجية أميركا وحام حول المنطقة، وليس لديه مفهوم جديد ينظم الأمن الإقليمي بعد أن تتوقف البنادق، كما كانت حال جورج بوش الأب بعد تحرير الكويت الذي جاء ومعه وزير خارجيته جميس بيكر ومعهما مفهوم أوسع، انعقد حوله مؤتمر مدريد للسلام، والذي تبعته مجموعة مبادرات كانت الأخيرة منها «اتفاق أوسلو».

ولكن هذه المرة جاء بايدن ومعه بلينكن، ويعلن بايدن عن صهيونيته القديمة التي أعلنها في الثمانينات، وهو عضو شاب بالكونغرس الأميركي. لا مفاهيم حاكمة، ولا حتى ضمادات جروح، فقط تأييد غير مشروط لإسرائيل، وبذلك تكون غزة قد حملت المرآة لأميركا لكي ترى نفسها فيها، وترى تلك الفجوة بين قيمها المدعاة وبين ممارساتها على الأرض، فلم يكن شعار أميركا ذلك «النور على التل»، لهداية البشرية إلى الحرية وحق تقرير المصير في رؤية وليبيون، لم يكن هذا الشعار سوى ظلام على أهل غزة وضرب لمستشفياتها، وتقطيع لأشلاء أطفال بقي بعضها في أحذيتهم الصغيرة.

مرآة غزة عرّت الثقافة الفرنسية لإيمانويل ماكرون، وفضحت أن الأخوّة الإنسانية والحرية والمساواة مجرد شعارات فرنسية لم تصمد أمام الاختبار الفلسطيني... ولم يك فولتير أو مونتسكيو أو روسو أو حتى فوكو إلا واجهات مزخرفة لبيت خرب من داخله.

مرآة غزة كشفت للألمان الداعين إلى فكرة الترانسفير (الترحيل) ونقل أهالي غزة إلى سيناء، أنه ما هو إلا ترحيل لذنوب ألمانيا التي ارتكبتها بحق اليهود في المحرقة، إلى عالم العرب الذين لم يكونوا طرفاً في ذاك الجرم الذي يمثل عار الإنسانية في نسختها الألمانية.

مرآة غزة كشفت لريشي سوناك أن حساسية الأقلية عندما تحكم لا تختلف كثيراً عن حكم الأغلبية، وأن غاندي ما هو إلا نوستالجيا الوطن الأم القديم، هو مجرد وردة في عروة جاكيت رئيس وزراء بريطانيا للزينة، وليس شعاراً ضد الظلم.

مرآة غزة كشفت لإسرائيل عورة استخباراتها اليقظة دائماً، وجيشها الذي لا يُقهر، وأن لا يقظة هناك، وأن الجيش الذي لا يقهر اصطاده شباب وهو في غفوة من أمره، أو أنها حقيقته التي بانت للداخل الإسرائيلي أكثر مما بانت للخارج. ولهذا قرر الجيش الذي لا يُقهر أن يصب حممه من الجو على شعب أعزل في غزة، كل هذا لأن المركز انهار، أو أن اهتمام المركز تحول إلى أوكرانيا. إن الصقر لا يسمع الصقار كما قال الآيرلندي ييتس، أو ربما لأن الفتية قالوا في السابع من أكتوبر الجاري ما قاله الشاعر الفلسطيني الأشهر محمود درويش: «لا شيء يكسرنا، وتنكسر البلادُ على أصابعنا كفُخَّارٍ».

أما ما كشفته مرآة غزة للفلسطينيين والمنطقة، فهو حديث نكمله في مقال قادم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرآة غزة مرآة غزة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 13:27 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تعمل على تثبيت قواعد إطلاق نار جديدة
المغرب اليوم - إسرائيل تعمل على تثبيت قواعد إطلاق نار جديدة

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib