كثير من الحكايات تتردد بقوة وتملأ الدنيا، تكتسب مصداقيتها بسبب تكرارها وأيضًا لأننا كسالى لا نفكر مرتين، هذان هما السببان الثانى والثالث، بينما الأول أنها محبوكة، سبايسى (مشعوطة). الحقيقة كثيرًا ما يعوزها التحابيش، تشبه الأكل الصحى المسلوق، ولهذا نادرًا ما نستعيدها.
الحكاية المتداولة، بعد نجاح «مدرسة المشاغبين» ١٩٧١، أن المنتج سمير خفاجى قرر تقديم مسرحية «قصة الحى الغربي» ١٩٧٥، وأسند بطولتها إلى أبطال «المشاغبين» وبنفس المخرج جلال الشرقاوى، وأضاف حسن يوسف وصلاح السعدنى ولبنى ونعيمة وصفى وغيرهم.
باقى الحكاية أن عادل اختلف مع خفاجى بسبب الأجر، أراد زيادته بما يتناسب مع ما حققه من نجومية، كما أنه كان يريد الانفراد بالبطولة، واعتذر عادل بعد العديد من البروفات. أسند الشرقاوى الدور إلى محمد صبحى، وبعد نحو شهر وقبل رفع الستار قرر عادل العودة. ضحى جلال الشرقاوى بصبحى، وسر عودة عادل المفاجئة أنه لا يريد أن يتقدم صبحى خطوات أبعد، وأن هذا الموقف لم ينسه أبدًا صبحى لعادل، وبدأت معركة لم تخمد نيرانها حتى الآن.
القصة تخاصم الحقيقة تمامًا، الواقعة حدثت مع «مدرسة المشاغبين»، وصبحى كما قال لى لم يعتبر أبدًا أن عادل إمام قرر العودة حتى يحرمه من الدور. عادل لا يخطط مشواره وفى ذهنه أحد، تفسير صبحى أن سمير خفاجى كمنتج وجد أن اسم عادل أكبر منه تسويقيًا، ولهذا خضع لشروطه. الكلمة الوحيدة التى اخترقت أذن محمد صبحى بالصدفة، لم تكن من عادل، ولكن أثناء الكواليس استمع بالصدفة إلى سعيد صالح وهو يقول: «جايبين الواد الجديد ده، عشان تنجموه على أكتافى».
كان صبحى قبلها قد أدى دورًا صغيرًا أمام سعيد صالح فى «هاللو شلبى». وحكى لى صبحى المشهد، وكأنه يسترجع صورة ثابتة، كل من جلال الشرقاوى وخفاجى يستقبلانه أمام باب المسرح، وكأنهما يؤديان واجب العزاء على باب «عمر مكرم»، واعتذرا له عن استكمال البروفات، لأن عادل عاد.
وقال لهما صبحى: عادل اسمه أكبر، وهذا دوره من البداية، ولكنه فقط عتب على أستاذه جلال الشرقاوى، لأنه لم يتمسك به.
الحقيقة أن عادل وصبحى اختلفا فى التوجه الفنى. صبحى يريد تقديم مسرح يحمل فكره، وهكذا تفاعل فى البداية مع توأمه الكاتب لينين الرملى وتبنيا نفس الهدف. عادل يقدم مسرحًا يحمل فى البداية والنهاية اسمه، ويرى المسرح وكل أنماط الفنون بمقياس رقمى، ولا يعترف بالنجاح الذى لا يدعمه الشباك. صبحى يريد أن يحيل المسرح على حالة جدلية تتجاوز الخشبة إلى الشارع.
هل التقيا خارج المسرح؟ قال لى صبحى: بالصدفة فى الشارع فى مطلع الثمانينيات، كل منهما كان يقود سيارته، وابتسما. قال عادل لصبحى وهو يضحك: «رأيت لك فيلمًا الأسبوع الماضى ولم يعجبنى»، ورد عليه صبحى ضاحكًا: «وأنا رأيت لك أستاذ عادل فيلمًا أعجبنى». السخرية كانت مشتركة بينهما، والمعنى الساخر أن صبحى أعجبه فيلم واحد لعادل.
وفى لقاء شهير مع المحاور مفيد فوزى فى برنامج «أغلى نجم فى مصر»، أوضح صبحى أنه اختلف مع اختيارات عادل إمام، ولكنه لم يشكك أبدًا فى جماهيريته ولا حضوره ولا موهبته، ولو التقيا فنيًا قطعًا يسبقه عادل على «الأفيش».
أهم مسرحية يراها صبحى فى مشوار عادل، وكشفت عن عمق موهبته هى «شاهد ما شافش حاجة».
صبحى أخلص للمسرح، والعديد من الأفلام اعتذر عنها، لأن مواعيد التصوير لم تتوافق مع التزامه اليومى بالذهاب للمسرح، كما أنه اتفق مع المخرج الكبير شادى عبد السلام الذى أسند له بطولة «إخناتون»، فيلم شادى الثانى بعد «المومياء»، وطلب منه ألا يلعب بطولة أى فيلم آخر قبل «إخناتون». وعندما استدعاه المنتج رمسيس نجيب للاتفاق على بطولة أفلام جديدة، كان رده أنه اتفق مع شادى. أجابه رمسيس: «هذا الفيلم مستحيل بالورقة والقلم أن يرى النور»، والغريب أن هذا هو ما تحقق واقعيًا، ولم يقدم شادى حتى رحيله «إخناتون».
المعركة لم تكن أبدًا بين عادل وصبحى، ولكن بين عادل ومحمود عبد العزيز بسبب «رأفت الهجان». كان من المفترض أن تنتهى مع اشتراكهما معًا فى «حسن ومرقص»، اعترض عادل فى اللحظات الأخيرة، وأسند دور محمود إلى عمر الشريف، وقبل رحيل محمود بأيام طلب عادل من زوجة محمود، بوسى شلبى، زيارته فى المستشفى، لم يشأ محمود أن يراه عادل وهو مريض، ولكنهما تصافيا!.