المخرج الروسى المعارض يستحق الحفاوة لرؤيته الفنية قبل السياسية

المخرج الروسى المعارض يستحق الحفاوة لرؤيته الفنية قبل السياسية!

المغرب اليوم -

المخرج الروسى المعارض يستحق الحفاوة لرؤيته الفنية قبل السياسية

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

امرأة شبه عارية تقتحم المهرجان وترسم علم أوكرانيا على جسدها، الإجراءات الأمنية شديدة الصرامة جدًا فى (كان)، ولا يمكن لمن حضر المهرجان طوال السنوات الأخيرة أن يصدق أن امرأة عارية تستطيع التسلل ببساطة إلى سلم (لوميير)، وهى تقدم إشارة مباشرة لاغتصاب النساء من قبل الجنود الروس فى أوكرانيا، الأقرب للمنطق أنها تحمل معها بطاقة الدعوة، ولا ترتدى ما يثير حفيظة أو توجس الأمن، كما أنها تمكنت من التخلص من ملابسها، بعد نجاحها فى كل مراحل التدقيق المعمول بها.
هل هى أوكرانية أم مجرد متعاطفة مع أوكرانيا؟، الأمر غير محسوم تمامًا ولا يعنينا فى شىء، ما هو محسوم أن المهرجان غلفته تمامًا السياسة، لدرجة أننا نتابعها على جسد امرأة لم تحتفظ سوى بورقة التوت.

دعنا الآن من النساء لنتحدث عن الأفلام التى ستقرأ أيضا سياسيًا، هذا الشريط الذى يحمل الجنسية الروسية، وهو الوحيد الذى سمح له بالعرض فى المسابقة الرئيسية للمهرجان (زوجة تشايكوفسكى)، طبعا الموسيقار الروسى الأعظم فى تاريخ الأوبرا تشايكوفسكى للمخرج الروسى كيريل سيريبريكوف، الفيلم يستحق الحفاوة، ليس لأن مخرجه ممن يقفون على الجانب الآخر للرئيس بوتين، حتى من قبل غزو أوكرانيا، ولكن لأهميته فى أسلوب السرد التاريخى والخيط الرفيع النفسى الذى تبناه الفيلم.

رغبة امرأة ثرية فى الزواج من هذا الموسيقار العظيم، ولا تستطيع أن تقف على الحياد المطلق وتحدد لمن تنحاز فى نهاية الأمر؟، المخرج ترك للمتلقى إصدار الحكم، فهو يقدم حالة الفيلم الفنية الموضوعية (السردية)، من خلال تتابع اللقطات، والنفسية كإحساس من خلال عيون المرأة ومشاعرها، حيث يتداخل ما هو مواقعى بما هو خيالى، المخرج سبق له أن عرض له فى (كان) فيلم (إنفلونزا بيتروف)، فهو ليس غريبًا قطعًا عن المهرجان، كما أنه فى نفس الوقت يعيش حاليًا طبقًا لما هو متاح من معلومات فى ألمانيا بسبب النظام، ولهذا لم يجد صعوبة فى التواجد بالمهرجان، وسيظل هناك حسبة ما أو قراءة خاصة أراها بعيدة عن الحقيقة، باستثناء الفيلم الروسى بالعرض لأنه معارض لبوتين، وإلى عهد قريب كان غير مصرح للمخرج بالسفر خارج الحدود. الفيلم بعيدًا عن أى حسابات أخرى، يستحق المنافسة فى المسابقة على الجائزة ضمن نحو 21 فيلما، ويبقى سؤال استباقى يتردد فى ذهن كثيرين، ماذا لو أعلنت لجنة التحكيم منحه جائزة، هل يتم التعامل معها ببساطة لكونها جائزة فنية؟، مع الأسف سيصبح أول سكين ينال من المخرج فى مقتل هو التحليل السياسى للجائزة مما سيظلم قطعًا الشريط السينمائى.

تشايكوفسكى، الموسيقار العظيم، تحتفظ الإنسانية له بالكثير من أعماله، وهو المولود فى منتصف القرن التاسع عشر، ولا نزال ننتعش فى كل الدنيا بإبداعه (بحيرة البجع) و(كسارة البندق) و(الجمال النائم) و(روميو وجولييت) وغيرها.

حياته يملؤها الغموض ما بين مثليته الجنسية وإحباطه الشخصى، الفيلم لا يدخل فى قالب السينما الموسيقية رغم أن البطل موسيقى، ولكن الرؤية الأكثر عمقًا هى الجانب الاجتماعى فى الحكاية، ميوله الجنسية كانت هى نقطة الضعف التى نالت منه، وكثيرًا ما تعرض للعنف، خاصة أنه كان يستمد من هذه العلاقات الشاذة العديد من أعماله.

التاريخ لا يحسم الكثير من القضايا، وتعودنا على أن العمل الفنى الذى يتناول فنانًا يصبح الهدف هو إنجاز الفنان وليس ما يثار حوله، ولكن تلك الإطلالة من المخرج الروسى مختلفة تمامًا ولن أضيف هذه المرة صفة المعارض لبوتين حتى لا أفسد عليكم الرؤية الإبداعية، ولا أفسد أيضًا ملامح الجمال فى الفيلم.

منذ اللقطات الأولى مساحة من الخيال تبدأ من الزوجة التى تتخيل الكثير من المواقف، مثل حوارها مع زوجها بعد الرحيل، أو أن هناك من يعرض عليها ممارسة الجنس ويقدم لها مجموعة من الرجال، وبدلا من أن تختار واحًدا يقع اختيارها عليهم جميعا.

إنها طبقا لقانون الفيلم مجرد خيال يسكن مشاعر الزوجة ولا يعبر بالضرورة عن الحقيقة، هذا هو مفتاح الفيلم، إلا أن المخرج، وهو أيضا كاتب السيناريو، لم يكن مخلصًا فى نسيج الفيلم، لتضفير الخطين المتوازيين، ترك للمتلقى دائمًا حرية الحركة بين التعامل معه كخيال أو واقع مباشر، كل التفاصيل فى بناء الفيلم، تحتمل أكثر من قراءة، فهو لا يقدم الموسيقى فى مقدمة (الكادر) على عكس مثلًا فيلم (أماديوس) الذى تناول حياة العبقرى موتزارت من خلال سالييرى الموسيقار المعاصر له، والذى كان يشعر بالغيرة وهو يرى تلك الومضات الإبداعية لمنافسه الشاب، الذى استحق تلك المكانة ورحل وهو فى مطلع الثلاثينيات تاركا هذا الإرث العظيم، بينما أماديوس، وهو ما ينطبق عليه توصيف (ميديوكر)، أى متوسط الموهبة، مثل هؤلاء يشعرون بالجمال الفنى أكثر من الجمهور العادى، ويتذوقون الإبداع، أكثر حتى من مبدعه الأصلى، إلا أنهم غير مؤهلين لتقديم شىء مماثل أو مقارب له، (أماديوس) ستجد فيه الروح الموسيقية غالبة، بينما مع زوجة تشايكوفسكى ستتراجع الموسيقى كثيرًا لخلفية (الكادر) حتى حياة هذا الموسيقار الكبير بكل تناقضاتها لن تحتل مقدمة (الكادر)، سيظل المسيطر على المشهد وروح الفيلم هى زوجة الموسيقار ومعاناتها بكل التفاصيل التى عاشتها واقعيًا أو خياليًا.

الزمن يطل بكل أبعاده على المشهد، صار للزمن فى خيال جمهور السينما درجات محددة فى كل شىء، الملابس الألوان حتى أسلوب التعبير، وهو ما نجح فى تقديمه المخرج الروسى.

السؤال هل مع كل تلك السياسة التى سيطرت على المهرجان منذ حفل الافتتاح حتى شاهدنا الفتاة التى تسللت إلى سلم المهرجان وتخلصت من ملابسها لتعلن موقفها ضد الغزو الروسى، هل يجوز بعدها أن نصدق رؤية محايدة للفن بدون أى إضافات سياسية؟، مع الأسف عندما تدخل السياسة من الباب، تكتشف أن الكثير من المنطق والجمال الإبداعى يهرب من الشباك!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المخرج الروسى المعارض يستحق الحفاوة لرؤيته الفنية قبل السياسية المخرج الروسى المعارض يستحق الحفاوة لرؤيته الفنية قبل السياسية



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib