أوكرانيا والسودان وفوائد الطب الصيني

أوكرانيا والسودان وفوائد الطب الصيني

المغرب اليوم -

أوكرانيا والسودان وفوائد الطب الصيني

غسان شربل
بقلم : غسان شربل

من أوكرانيا إلى السودان العالمُ مريضٌ والطبيبُ غائب. يقلّب فولوديمير زيلينسكي الاحتمالات ويصل إلى الاستنتاج نفسه. كلّفه القدرُ مهمةً شبهَ انتحارية. لم يخطر ببالِه يوماً أنَّه سيتحوَّل جنرالاً في حرب تنجب نهراً من النعوش وملايين النازحين واللاجئين. لم يتوقع أن يستدعيَه سوءُ الحظ إلى ملاكمة دامية مع ملاكم كبيرٍ محترف اسمه فلاديمير بوتين.
يسأله كثيرون في الداخل والخارج عن موعد الهجوم المضاد الجديد. لكنَّ هذا الهجومَ يستلزم إهراءاتٍ هائلةً من الدم والذخائر. صحيحٌ. لا أميركا بخلت عليه ولا دول حلف «الناتو». لكنَّ هذه الينابيعَ التي تضخُّ الأسلحةَ في عروق جيشه مهددةٌ بالشح إن لم يكن بالنضوب. يعرف في قرارة نفسه أنَّ طردَ القوات الروسية من كامل الأراضي الأوكرانية مستحيل. لا يستطيع سيدُ الكرملين العودةَ مهزوماً من مغامرته الأوكرانية. الهزيمة قد تعرّضُ الاتحاد الروسي لتطاير بعض أطرافِه على غرار ما أصابَ الاتحاد السوفياتي. يدرك تماماً أنَّ القوات الروسية ستدمّر ما تبقى من أوكرانيا إذا شمَّت رائحة الهزيمة.
العالمُ مريض والطبيب غائب. يكاد أنطونيو غوتيريش يعلن إقفالَ عيادته. سلّم بعجزه عن توفير العلاج واكتفى بالسعي إلى تجديد اتفاق الحبوب مع توفير شيء من البطانيات والخيام. الأمم المتحدة أبرزُ المصابين في الحرب الأوكرانية. أُصيبت هذه المرة على يد دولةٍ دائمة العضوية في مجلس الأمن. تماماً كما أُصيبت قبل عقدين إبان الغزو الأميركي للعراق. حين ينخرط الكبارُ في حرب لا يتركون للمنظمة الدولية أكثر من مهمة إحصاء الجنازات وإرسال الضمادات. لا تشعر روسيا بالإحراج نتيجةَ ما تفعله قواتها في أوكرانيا. تستنفر شعبَها لتقديم التضحيات في «حرب وطنية مقدسة». ولا يجرؤ غوتيريش على تذكير سيرغي لافروف بأصول الرقص في قاعة مجلس الأمن وأمام ميكروفوناتها.
أميركا أيضاً ليست طبيباً يمكن استدعاؤه. إنَّها طرف واضح في الحرب. لولا دعمها السخي لانحنت أوكرانيا بعد أسابيع من الشرارة الأولى. لا تستطيع أميركا الذهاب إلى حدّ إلحاق هزيمة مدوية بروسيا ولا تريد. تعزف موسكو على وتر الخوف النووي كأنَّها تذكّر البيت الأبيض بالشياطين النائمة في ترسانتها. استمرار السخاء الأميركي لا يعني أكثر من استمرار الحرب ومنع روسيا من إعلان الانتصار فيها بالضربة القاضية. واستمرار الحرب يعرّض أوكرانيا لشكل من أشكال الموت كدولة وشعب واقتصاد. الاتحاد الأوروبي ليس طبيباً. سارع إلى نجدة أوكرانيا لكن الحرب الروسية كشفت هشاشته وتواضع إمكاناته قياساً على القدرات الأميركية.
يقلّب زيلينسكي الاحتمالات. لم يبقَ إلا الطبيب الصيني. يعرف الرئيس الأوكراني قصة الطب الصيني التقليدي. يقوم على حفنة طرق أبرزها الوخز بالإبر والتداوي بالأعشاب. فلسفته توفير التوازن والانسجام داخل جسم المريض ومع محيطه. ونجاح العلاج مرهون بتشخيص دقيق لحالة المريض وضمان تعاونه مع العلاج. وفي الحريق الحالي لا بد للوخز من أن يستهدف كييف وموسكو معاً. لا تكفي الأعشاب لكبح طموحات بوتين.
الطبيب الصيني. فكر في شي جينبينغ. بايدن يقيم في العاصفة وترمب يتوعّد بسحقه وأميركا بدأت التلوي على لحن الانتخابات. بوتين غارق في الحرب ويريد منها مساعدته على المثول لاحقاً مرفوع الرأس أمام محكمة سلفه جوزيف ستالين. وزيلينسكي نفسه لا يستطيع دخول التاريخ بوصفه الرجل الذي أطل من تحت الركام ليوقّع على التنازل عن جزء من خريطة بلاده. أغلب الظنّ أنَّ الحل يحتاج إلى جراحة تتخطى وخز الإبر وتركيب الأعشاب. فتح شي أمام زيلينسكي نافذة صغيرة. معبر لا بد من ثمن لاجتيازه، فالصين التي لم تدن الغزو الروسي تكتفي بالحديث عن السلام واحترام سيادة الدول. لا مصلحة لها في هزيمة روسية تعمّق غربة تايوان التي يأمل وريث ماو في استردادها عبر الوخزات الصغيرة من دون استخدام مباضع الحرب.
وفي السودان البلد مريض والطبيب غائب. الجامعة العربية ليست طبيباً على رغم حسن نواياها. يمكن قول الشيء نفسه عن الاتحاد الأفريقي. روسيا ليست طبيباً مقبولاً أو موثوقاً. لا تملك في معالجة التصدعات الأفريقية غير دواء مر اسمه «فاغنر». عقاقير «طباخ الكرملين» مفتوحة على الأخطار. أسلحة ومرتزقة وضربات تحت الحزام ومناجم. ليس بسيطاً أن يقول لافروف إنَّ من حق السودان الاستعانة بـ«فاغنر» التي ترابط اليوم في دول أفريقية عدة وعينها على المناجم والمعادن. ثم إنَّ الاستعانة بـ«فاغنر» التي تتولى طرد النفوذ الفرنسي والغربي من القارة الأفريقية تجعل اللاعب الأميركي خصماً بلا تردد. غوتيريش العاجز في أوكرانيا عاجز أيضاً في السودان.
تطرح الحرب في السودان موضوعاً مهماً وخطراً للدول المجاورة وكذلك لشريان حيوي اسمه البحر الأحمر، يعني اقتصاد العالم وأمنه واستقراره. للصين منذ سنوات اهتمام واضح بالقارة الأفريقية واستقرارها وثرواتها ومعادنها. لا تريد الصين تصدير نموذج إلى القارة السمراء. تريد استقراراً يتيح التجارة والتبادل وضمان المصالح. للصين اهتمام واضح بأمن البحر الأحمر. ليس صدفة أنها أقامت منذ 2017 أول قاعدة بحرية خارج أراضيها في جيبوتي التي تحتل موقعاً استراتيجياً على مضيق باب المندب الذي يفصل خليج عدن عن البحر الأحمر. قد يكون من المفيد أن يفكر البرهان وحميدتي بالاستعانة بالطبيب الصيني إذا كان مستعداً للتدخل. التداوي بوخز الإبر والأعشاب، حتى ولو كانت مرّة الطعم، يبقى أفضل من الغرق في حرب مفتوحة بلا طبيب يتطاير فيها جسد السودان دماً ولاجئين وولايات. لن يستطيع أحد إنقاذ السودان إذا غرق في حرب أهلية مدمرة. لهذا يجب وقف الحرب الآن وقبل فوات الأوان.
في المشهد الدولي الحالي لا بد من بكين وإن طال السفر. تجربة الطبيب الصيني في رعاية عودة العلاقات بين السعودية، وإيران وعلى قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، تشجع على الاتصال برقم هذا الطبيب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوكرانيا والسودان وفوائد الطب الصيني أوكرانيا والسودان وفوائد الطب الصيني



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 17:50 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"أون" تبدأ عرض مسلسل "أبو العلا 90 " لمحمود مرسي

GMT 13:20 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس يبعث برقية عزاء في رئيس تشاد

GMT 07:47 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

بطولة الخريف

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

الكشف عن تفاصيل ألبوم شيرين عبد الوهاب المقبل

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل تهزّ "سوق الجملة" في مدينة تطوان المغربية

GMT 06:41 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الكوكب المراكشي في "قفص الاتِّهام" بسبب مِلفّ السعيدي

GMT 12:37 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بوصوفة يشيد برونارد ويعتبر المدرب الأفضل بإفريقيا

GMT 05:08 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"فورد" تطلق سيارتها الحديثة "موستانغ ماخ إي" الكهربائية

GMT 11:03 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة اسماعيل الحداد لا تدعو إلى القلق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib