بصمات شاب من الشرق الأوسط

بصمات شاب من الشرق الأوسط

المغرب اليوم -

بصمات شاب من الشرق الأوسط

غسان شربل
بقلم : غسان شربل

ذاتَ يومٍ دعاني رجلٌ شهيرٌ إلى فنجان قهوة. وكانتِ الدعوةُ مغريةً فقد تيسّر للرجل الاقتراب من أبرز اللاعبين في العالم ولا تعوزه القدرة على القراءة في الأشخاص والمواقف والمراحل. قال إنَّ معيارَ نجاح الحاكم هو أن يتركَ بصمتَه على أوضاع بلاده. وهذا يتاحُ لمن يظهرون عند المنعطفات ويمتلكون جرأةَ اتخاذ قراراتٍ تغيّر مصائرَ بلدانهم وشعوبِهم. وليس بالضرورة أن تكونَ البصماتُ إيجابيةً، لكنَّ التاريخَ لا يرحم من يحاولون حجزَ موقعٍ فيه بالقوة والدمارِ والانهيار.

يحاكمُ التاريخُ صنَّاعَ النكبات ويحتفظ بصورةٍ مشرقة لمن يحاربون التخلفَ والفقرَ والانغلاق. أعطَى مثلاً لي كوان يو الذي تركَ بصماتِه على أيام شعبِ سنغافورة البلدِ الذي يفتقر إلى الثروات الطبيعية. قال أيضاً إنَّ بعض البصماتِ تبقى مثار انقسام بين أنصار متحمسين وخصوم ثابتين. أعطى مثلاً عن الإمام الخميني قائلاً إنَّه لا يمكن إنكارُ بصماتِه على الشعب الإيراني وحفنة خرائط في المنطقة. قال أيضاً إنَّ جمال عبد الناصر تركَ أيضاً بصماتِه على مصير الشعب المصري وحفنة خرائط لفحتها أفكاره ومواقفه.

لاحظ أنَّ البصمات تخضع لاحقاً لامتحان صارم. هل ساهمت سياسات القائد أو الزعيم في تحسين حياة الناس وإعدادهم لمواجهة استحقاقات المستقبل؟ هل انتقلت جاذبية القائدِ من العناوين البراقة والخطب المثيرة إلى مشاريع توفر الخبز وفرص العمل والكرامة؟ لاحظ أنَّ البصمات المعاكسة لمنطق التقدم سرعان ما تصطدم بنهر التاريخ وبحاجات الناس وتوقهم إلى الخبز وفرص العمل والكرامة والتقدم والاستقرار والازدهار.

استوقفتني فكرة البصمات. اعتبرت كصحافي أنَّ فلاديمير بوتين ترك بصماتِه على مصير روسيا والعالم حين أنقذ الاتحادَ الروسي من رياح التفكك التي كان يمكن أن تغرقه في نزاعات عرقية وإثنية ودينية محملة بإشعاعات قاتلة. وترك بصماته أيضاً حين لملمَ أشلاءَ روسيا المهزومة وأعاد لها موقعاً محترماً على طاولة الكبار. للأسف ها هو اليوم يترك بصماتِه عبر الحرب في أوكرانيا التي قد تطيح إيجابيةَ ما قدَّمه سابقاً لروسيا التي خرجت جريحة ومستضعفة من العهد السوفياتي. ورأيت أنَّ شي جينبينغ ترك بصماتِه على مصير الصين والعالم. إنَه زعيمٌ قوي لبلاد أخرجت 700 ملايين صيني من سجن الفقر الشديد. زعيم بلاد يتجاوز ثقلها مشروع «الحزام والطريق» وهو مشروع هائل.

تغيير مصائر البلدان مهمة شاقة. وأحياناً يطول الانتظار. يحتاج التغيير إلى فكرة مقنعة وجاذبة ومحرضة. وإلى رجل قادر يحمل رؤية ويملك موهبةَ إشراك الناس في حلمه. انخراط الناس في الحلم خصوصاً من جانب الدماء الشابة الحارة والإرادات المتوثبة يصنع التغيير. وحسن إدارة الورشة الكبرى يوفر الأرقام التي تؤكد صحة الأحلام وتضاعفها. وتحدث الانعطافة حين يطل رجل كأنَّه انتدب لمهمة انتظرتها بلاده طويلاً. رجل يوقظ المخيلات واثقاً بقدرة بلاده على أن تكون أقوى وأفضلَ وأكثرَ مناعة على طريق المستقبل. وتكتمل الانعطافة إذا طرقت أحلام الرجل وأرقامه على الأبواب وأقنعت المقيمين وراءها بما يجعل حلم التحول والتغيير والتقدم قراراً لا عودة عنه. وهكذا يتحول رجل النهضة منعطفاً في حياة بلاده وقد يتجاوزها.

كانت العقود الماضية في الشرق الأوسط مؤلمة ورهيبة. اكتظت المدن بالشباب الحائر العاطل عن العمل. تراجع التعليم المتراجع أصلاً. كانت الخدمات الصحية قليلة وكئيبة. غرقت المنطقة في سلسلة من الحروب بين الخرائط أو داخلها. أنجبت نهراً من الأرامل والأيتام وبحراً من اللاجئين. وقع جزء من الشباب في إغراء الأفكار المعتمة التي تزعم أن المفاتيح موجودة في كهوف التاريخ. ضلَّت الثورات طريقها وضاعت الثروات. تداوت دول كثيرة بالعقاقير المسمومة وهي الحكومات الفاشلة والفاسدة فتضاعفت أمراضها. وقع كثيرون في إغراء الاصطدام بالعالم بعدما أدموا بلدانهم أصلاً. وتزايدت مشاعر الإحباط وتردد أنَّ قدر أهل الشرق الأوسط أن يقيموا خارج موكب التقدم وخارج العصر بثوراته العلمية والتكنولوجية. لا يستطيعون نسخ تجارب الآخرين ولا يستطيعون صناعة مصيرهم.

في العقود الماضية نجحت السعودية في الحفاظ على استقرارها على رغم رياح المشروع الإيراني وموجة التشدد في الداخل والمكمن الذي نصبه أسامة بن لادن للعلاقات السعودية - الأميركية. نجحت الأفكار المتشددة في شلّ جزء غير يسير من قدرات الشعب والبلاد. شلَّت نصف المجتمع وعطلت طاقات الشابات والشبان واحتجزت الأحلام والأفكار منذرة بإقفال أبواب الأمل. وطرحت أسئلة كثيرة عن علاقة السعودية بنفسها وبالعالم وبالعصر. أسئلة أيضاً عن موقعها في الإقليم والعالم. عن مستقبلها ومستقبل الأجيال الجديدة. كانت السعودية محتاجةً إلى خيار وقرار ورجل يطلق شرارة معركة المستقبل.

في هذه الأجواء وقبل حفنة سنوات وضع الملك سلمان ثقته في نجله محمد كمن يحدس أنَّ لبلاده موعداً كبيراً معه. وأطلَّ الشاب متسلحاً بالأحلام والأرقام. وللوهلة الأولى رأى كثيرون أن «رؤية 2030» حلم بعيد المنال في منطقة لم تعتد على القفزات الواسعة في اتجاه المستقبل. رفع ولي العهد السعودي مشعل النهضة والتحولات. كان الرجل يسابق الوقت لتعويض ما ضاع في العقود السابقة. أسلوب مختلف في مخاطبة الداخل والخارج معاً أدى إلى ولادة السعودية الجديدة بدعم كاسح من أبنائها وشبابها.

ذكّرني حديث الأمير محمد بن سلمان الاستثنائي إلى «فوكس نيوز» بأنَّ الإطلالة السعودية الحالية على المنطقة والعالم جاءت ثمرة سنوات شهدت ورشة لا تنام من المشاريع والمؤتمرات والرحلات تيسر لنا أن نواكبها من قرب كصحافيين. سعودية جديدة في الداخل وفي الإقليم والعالم. اقتصاد قوي لم يعد أسير المداخيل النفطية وحدها. وسياسة لتصفير المشاكل سعياً إلى الاستقرار والازدهار. وترسانة من العلاقات الدولية تشمل واشنطن وموسكو وبكين ونيودلهي وغيرها. دور متصاعد في مجموعة العشرين ومواقف تتسم بالمسؤولية والنوافذ المفتوحة في التعامل مع الأزمات الدولية وأسعار الطاقة والتعامل مع ملف البيئة. سياسة مبادرة، وشراكات استراتيجية، وممر اقتصادي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وبوادر تعميق للعلاقات السعودية - الأميركية بعد ما اعتراها من غيوم، وملامح صفحة جديدة في الشرق الأوسط إذا سلَّمت إسرائيل بأنَّ إنصافَ الشعب الفلسطيني معبرٌ إلزامي للاستقرار في الإقليم.

في حفنة سنوات تحوَّلت السعودية لاعباً كبيراً في ملفات كبرى تعني العالم باقتصاده واستقراره. ترك محمد بن سلمان بصماتِه على ملفات الداخل. وها هو العالم يتحدَّث عن بصمات لاعبٍ جديد. بصماتِ شاب من الشرق الأوسط.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بصمات شاب من الشرق الأوسط بصمات شاب من الشرق الأوسط



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 23:15 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر
المغرب اليوم - إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018

GMT 18:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

لعبة "أسياد الشرق" صراعات ملحميّة تحاكي صراع الجبابرة

GMT 22:51 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يرغب في استقبال الدفاع الجديدي في ملعب العبدي

GMT 04:26 2016 الخميس ,25 شباط / فبراير

حرق سعرات حرارية دون بذل مجهود

GMT 21:07 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

ميرفت أمين بين نجوم فيلم "هتقتل تسعة"

GMT 03:10 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

منتجع جزيرة ميليدهو ملاذ زوار المالديف في فصل الشتاء

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" يكملون تصوير مشاهدهم

GMT 09:29 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

عطور نسائية تجذب الرجال وتزيد من دفء العلاقة الحميمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib