من ويتمان إلى جرير

من ويتمان إلى جرير

المغرب اليوم -

من ويتمان إلى جرير

بقلم -سمير عطاالله

لا مفر. كيفما تلفّت أو قرأتَ أو سمعت أو حادثت أو هاتفت، لا شيء سوى «كورونا». أو ما يتفرع عنه. ليس لدى الناس «الجَلد» على أي شيء آخر. وفي هذه الخواطر لا أدري لماذا أتنبه إلى أن أشهر روائي، وأشهر شاعر في الولايات المتحدة، تطوعا في حربين كبيرين للمساعدة الطبية. إرنست همنغواي عمل في الحرب العالمية الثانية سائق سيارة إسعاف، والشاعر والت ويتمان عمل في الحرب الأهلية الأميركية «مضمداً» للجراح لدى فريقي الحرب: أكثر من 80 ألف جريح رأى هذا الشاعر الذي أرخى لحيته على طول صدره.
لا أحد يتمنى لنفسه هذه المهمة الشاقة والحزينة. وقد زادها حزناً في حالة ويتمان أن شقيقه كان بين المقاتلين. فلما ذهب يبحث عنه خلال ذروة الحرب في شتاء 1862 رأى «دماء المحاربين الغالية تغطّي أوراق العشب الأخضر». وكتب: «إنني لا أستطيع تركهم. وكيف يمكن أن أفعل عندما يشد أحد هؤلاء الشبان على يدي طالباً المساعدة»؟
كانت تلك أعمق لحظات حياته. وقد كتب فيما بعد: «الناس تقول لي، يا والت إنك تفعل حقاً العجائب للآخرين. وليس هذا صحيحاً. إنني أجترح عجيبة لنفسي». ومن تلك التجارب المريرة والتنقل بين الأشلاء، سوف يبني ويتمان نصبه كشاعر عظيم. ومن المشاهد المشابهة، سوف يستقي إرنست همنغواي رواياته الكبرى، «الشمس تشرق أيضاً» و«لمن تُقرع الأجراس». ومن تطوعه في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، سوف يصنع أندريه مالرو معظم مجده الأدبي.
المآسي تلهب روح التطوع في الناس. روح الجماعة. مساء الخميس تحول برنامج الزميل مارسيل غانم «صار الوقت» إلى مباراة في التبرع للهيئات الطوعية الخيرية التي تحارب «كورونا». من دون أي مقدمات اتصل رجل بالبرنامج وأعلن أنه يريد التبرع. ثم انهالت المكالمات. وفي أقل من ساعة كان مجموع التبرعات قد فاق المليوني دولار، وكاد صاحب البرنامج يبكي من تأثره.
ولكن أليس هذا هو الشعب الذي يحب السهر والسمر ويملأ مطاعم بيروت؟ نعم. هذا هو. إنه الآن يرسل آلاف الوجبات المجانية للمحتاجين. ولم تجد طبيبة نفسية فائقة الجمال أي حرج في المشاركة في «صار الوقت» وهي في فستان سهرة زاد الجمال صعقاً. لا يهم. أنت في لبنان. ويجب أن تتذكر أن لضحايا الحروب من يضمد جراحهم. وقد قال أحدهم إن ضحايا العيون التلفزيونية يفوق بكثير ضحايا «كورونا»، ولا شفاء منها، بل كما قال جرير «إن العيون التي في طرفها حور - قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا». ولست أفهم يا سيد جرير لماذا يريد أن يحيا من تسنت له قتله مثل هذه!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من ويتمان إلى جرير من ويتمان إلى جرير



GMT 13:16 2025 السبت ,28 حزيران / يونيو

حكومة فى المصيف

GMT 15:46 2025 الجمعة ,20 حزيران / يونيو

ترمب... وحالة الغموض

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

هند صبري.. «مصرية برشا»!

GMT 17:41 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

..وإزالة آثار العدوان الإسرائيلى

GMT 22:58 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سباق التسلح الجديد؟

GMT 21:04 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هيرفي رونار يقلل من قيمة الدوري المغربي للمحترفين

GMT 10:02 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

منزلك أكثر تميّزًا مع الديكورات اليابانية العصرية

GMT 19:00 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تطور ملحوظ وفرص سعيدة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 21:52 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء الكيلاني تثير الرأي العام بقصة إنسانية في "تخاريف"

GMT 11:00 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

"بوما" تطرح أحذية رياضية جديدة ومميزة

GMT 10:39 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

تعرفي على إتيكيت أكل "الاستاكوزا"

GMT 12:35 2013 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

البدء فى البرنامج التوعوي التثقيفى لمرضى داء السكر في سبها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib