شاعر الأبقار

شاعر الأبقار

المغرب اليوم -

شاعر الأبقار

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

كان هذا الفتى الهائم ينام أحياناً في الحقول قبل أن يعود إلى منزل أهله متعباً منهكاً، ليس من البرودة التي أضنته تحت شجرة التفاح، حيث يستلقي ليكتب الشعر، أو هكذا خيّل إليه، حتى صار مقتنعاً أنه سوف يصبح ذات يوم شاعراً كبيراً بعيداً عن هذا البحر الداكن اللون، الذي لا تكف أسراب البط عن مداعبته طوال النهار وحتى إسدال الغروب.

كل هذه الرومانسيات لم تكن تعني شيئاً لأبيه الذي فقد عمله هو أيضاً، ولذا أرسله يعمل عند أحد الجزارين في المدينة الصغيرة. وسرعان ما اكتشف الجزار أنه كلما أقدم على ذبح بقرة، انزوى مساعده يكتب قصيدة رثائها. قصيدة في حزن الأبقار، وقصيدة في حب الفتيات. بين هذه وتلك، كان يغرق في القراءة، خصوصاً التاريخية منها. ولم يكن الفتى اليافع قد أطلق بعد لحيته الصغيرة، التي سوف تحمل صورته الوحيدة عبر القرون. وضحى كل يوم عطلة يشارك الشبان المراهقين في ساحة البلدة النكات المالحة وقراءة الشعر، والرقص والأفراح البسيطة. وإذ يكبر قليلاً يقرر الخروج من بلدته وعالمها الصغير إلى مدن وأحلامها الكبيرة. وهناك سوف يجرب نوعاً جديداً من الكتابة: الشعر المسرحي. وهنا يبدأ الغوص في معاني الحياة، ويكتشف خداع النساء، ويبدأ في هجائهنَّ. فما هي المرأة إلا «كاذبة»، و«مخادعة»، و«فظة»، و«محتقرة». و«سوداء كالجحيم»، و«كالحة مثل الليل». لا شك أن كل هذه التعابير كانت تدل على إخفاقه في الحب. ولم يكن يكتفي من إغراءاته، مثلما لا تكتفي النار من الحطب والبحر من الأنهار.

«الحبُّ خطيئتي» يقول في إحدى قصائده المليئة بالمرارة. وسوف يتخيل قصصاً مليئة بالعشق والعشاق، متمنياً كان هو وصلها. وفي موجة من الحنين اخترع أشهر عشاق التاريخ، أو بالأحرى، أشهر عاشقين، روميو وجولييت. وكالعادة اختار لهما جمال إيطاليا وروعة مدينة فيرونا، خشبة يفضلان على مسرحها الموت على التفكر للحب. لقد حوّل المسرح إلى مشغل خاص به، وراح يبتدع الأبطال والشخوص غاضبين وسعداء، خائبين ومجلين، وما شاكل ذلك من نماذج البشر التي مكّنته من وضع ثلاثين مسرحية، جعلته أهم الشعراء الإنجليز أمس واليوم وغداً.

الولد الذي كان ينام تحت شجرة التفاح في سترادفورد على نهر أفون، ويكتب القصائد في رثاء الأبقار، أصبح أحد أعظم شعراء العالم. سمّاه صديقه العبقري هو الآخر بن جونسون «طائر البجع الجميل». ولكن شاعر الجمال هو أيضاً شاعر القوسات: عطيل، ريتشارد الثالث، ماكبث، وسائر أسياد الرعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاعر الأبقار شاعر الأبقار



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 16:36 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

عملية جراحية ناجحة للاعب الفتح أنس العمراني

GMT 08:53 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

إدماج المرأة الجميلة في التنمية!

GMT 14:17 2015 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

نصائح جمالية لصاحبات العيون المبطنة

GMT 08:40 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة السورية سارة نخلة تُشارك في مسلسل"هبة رجل الغراب 4"

GMT 02:49 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

النواصرة يستطيع تصميم أي مجسّم من الأسلاك

GMT 21:50 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الثلاثاء

GMT 00:49 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بن ثاير مدربا جديدا للترجي لكرة اليد

GMT 13:22 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت وأصول التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 18:11 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حادث سير مروع تسفر عن مقتل عشريني في مراكش

GMT 13:03 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر "Rose Synactif Shiseido" يضم مزيجًا مميزًا لعاشقات الورود

GMT 05:07 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

جافي يكشف عن معاناته البدنية وسبب استبداله
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib