لا يُعوَّل عليه

لا يُعوَّل عليه

المغرب اليوم -

لا يُعوَّل عليه

سمير عطاالله
بقلم - سمير عطا الله

أثينا، مدينة أخرى من المدن التي عرفتُها على دروب المشاة. عندما تقول ذلك فإنَّك تعني أنَّك عرفتَ حاراتِها، وشوارعَها، ونوافذَ البيوت التي تمنح للمارة الغرباء مشاهدَ الورودِ المزروعة، وترسل من حولهم روائح الحبق.

وعندما تكبر قليلاً وتقلّلُ من العودة إلى أثينا، ينعدمُ عبقُ الحبق، وتتحوَّل زهورُ النوافذِ إلى ذكريات.

وشيئاً فشيئاً تنسَى أسماءَ الشوارع، وكلَّما كبرتَ تفقد الشغفَ في الإصغاء إلى الموسيقى الآتية من جميع الأمكنة، وكأنَّك لم تعد تعرفُها ولا تعرفك.

العلاقةُ بالمدن على الأقدامِ غيرُها على عجلات.

وأجملُ تلك العلاقاتِ بالنسبة إليَّ في الحافلة الكهربائية التي عرفناها صغاراً في بيروت. فالحافلةُ تزدحمُ بالناس، وترمي بينهم الألفة، وتحوّلهم إلى رفاقٍ وأصدقاء، ولو أنَّ الحوارَ الوحيدَ بينهم حوارُ العيونِ والوجوه.

كما أحببت الترامَ في لشبونة. أحببتُه بقدر ما أحببتُ لشبونة، وصوت أماليا رودريجيش، التي كنت أحبُّها ذاتَ زمن أكثرَ من فيروز، لكنَّ العيبَ والحياءَ وعشرةَ الخبز والملح حالت دونَ هذا الشَّططِ غيرِ المعقول، ولا أزال أحنُّ إلى أماليا وإلى ألحانِ الفادوا التي –مع الاعتذار- هي أجمل من القرويات اللبنانيات وأدواتهن الموسيقية المحدودة.

ولكلّ مدينةٍ أداة، سيدتها، البوزوكية اليونانية التي رقصَ على أنغامها البحَّار زوربا، سيد اللامبالاة والتسكعِ الجميل في مرافئ البلاد.

كلَّما تتقدَّم في السن ينقص عددُ أصدقائِك في المدن. لم يعد لي أحدٌ في أثينا اليوم. لا في مقاهي ساحة الدستوه ولا في مطاعم تلة «البلاطة» الشعبية. ولم أعدْ أذكر أسماءَ الشوارع. وما حاجة لذلك في أي حال، فقد فقدتُ الهمةَ في السَّفر حتى من أجل الاستعاداتِ الباهتة.

وحتماً لم تعدِ المدينةُ تذكرني في أي حال، أو تنتظرني، أو يعني لها شيء أنني فقدت كلَّ علاقة معها.

فقد تحولت مع الزمن إلى مشّاء محترف، لا تعني لي الأسماء والحدائق شيئاً. وصار كل حلمي من الدروب أن أعود إلى لندن وأتفقد مفترقاتها على مداخل الحدائق، وأمر بمكتبة «ووتر ستون» بحثاً عن آخر ما وصل إليها من كتب. ويبدو أن العلاقة السليمة الوحيدة مما تبقى لي هي العلاقة مع الكتب. فأصدقائي أيضاً تقدموا في السن، وفقدنا بدورنا أصدقاء مشتركين، واهتمامات مشتركة، ولم نعد نضحك للنكات ذاتها، ولا نطرب للألحان نفسها، أو حتى نرغب في الاستماع إليها.

وكل ما يحول إلى كتاب، أو مقال، لا يعول عليه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا يُعوَّل عليه لا يُعوَّل عليه



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:07 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية
المغرب اليوم - سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية

GMT 16:36 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

عملية جراحية ناجحة للاعب الفتح أنس العمراني

GMT 08:53 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

إدماج المرأة الجميلة في التنمية!

GMT 14:17 2015 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

نصائح جمالية لصاحبات العيون المبطنة

GMT 08:40 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة السورية سارة نخلة تُشارك في مسلسل"هبة رجل الغراب 4"

GMT 02:49 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

النواصرة يستطيع تصميم أي مجسّم من الأسلاك

GMT 21:50 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الثلاثاء

GMT 00:49 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بن ثاير مدربا جديدا للترجي لكرة اليد

GMT 13:22 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت وأصول التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 18:11 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حادث سير مروع تسفر عن مقتل عشريني في مراكش

GMT 13:03 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر "Rose Synactif Shiseido" يضم مزيجًا مميزًا لعاشقات الورود

GMT 05:07 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

جافي يكشف عن معاناته البدنية وسبب استبداله
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib