حُكْم الأصل والصورة في لبنان

حُكْم الأصل والصورة في لبنان

المغرب اليوم -

حُكْم الأصل والصورة في لبنان

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

استوقفتني خلال الأيام الأخيرة، 3 أحداث مثيرة في مضامينها. كلها كان لإيران وذراعها اللبنانية «حزب الله» دور فيها؛ الحدث الأول كان كلام الحاج محمد رعد، رئيس الكتلة البرلمانية لـ«حزب الله» في لبنان عن أن «مَن لا يريد المقاومة لا يريد اتّفاق الطائف» (!).     

والحدث الثاني كان الغياب الرسمي اللبناني عن كل ما له علاقة بالشأن الأمني بعد اشتباكات مخيم عين الحلوة الفلسطيني الأخيرة، وقتل حزبي مسيحي سابق في بلدته عين إبل الحدودية بأقصى جنوب لبنان، وبعده انقلاب شاحنة في بلدة الكحّالة كانت تنقل صناديق مجهولة المحتوى سرعان ما غطى سرّيّة «حمولتها» انتشار مسلح من عناصر «حزب الله» المواكبين، ثم مقتل شخص وُصف بأنه «إرهابي» سوري في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعدُّ معقلاً ومربّعاً أمنياً للحزب.

أما الحدث الثالث فكان قول محلل سياسي إيراني - عراقي في محطة تلفزيونية إخبارية عربية، بالأمس، إن من الخطأ وصف «صداقات» إيران في بعض البلدان العربية بـ«السيطرة»!

كلام رعد، الذي يقلب فعلياً مضمون «اتفاق الطائف» وروحه رأساً على عقب، جاء بعد أيام أعادت اللبنانيين إلى أجواء الاحتقان الطائفي وهواجس الحرب الأهلية، بينما كانت الدولة اللبنانية إزاء كل ما حصل في عين الحلوة وعين إبل والكحّالة والضاحية الجنوبية... آخر من يعلم.

كان غريباً تفسير رعد لـ«اتفاق الطائف» بأنه «يُشرعن» سلاح حزبه، مع أن «الاتفاق» الذي أنهى الحرب اللبنانية فرض نزع ميليشياتها المتقاتلة كمقدمة ضرورية للعبور إلى الدولة. وبالتالي، كان غريباً أيضاً اعتبار رعد مَن يدعم «الاتفاق» ويدعو إلى تطبيقه «عميلاً لإسرائيل».

الجدير بالذكر أنه بسبب «رعاية» الوجود العسكري والأمني السوري سلاح الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً، والمتجسّدة في «حزب الله»، وأيضاً بسبب حسن ظن اللبنانيين بنيّة هذه الميليشيا «مقاومة» الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأراضي المحتلة بجنوب لبنان، أحجمت الأحزاب والميليشيات التي سلَّمت أسلحتها عن المطالبة بنزع سلاح «حزب الله»... ما دام «التحرير» لم يكتمل بعد. لكن بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، بدليل احتفال الحزب سنوياً بانتصاره، واصل الحزب إصراره على احتكار سلاحه الخاص خارج سلطة الدولة. بل ابتكر لنفسه ولحلفائه الإقليميين ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة»، من أجل تغطية ما تحوّل إلى اليوم إلى سلاح غَلَبة محلية، وهيمنة إقليمية إيرانية، ومساومة دولية إيرانية - إسرائيلية.

في الحقيقة، لم يمنع «حزب الله» وراعياه الإقليميان تنفيذ «اتفاق الطائف» بكامل بنوده فقط، بل نسفا أيضاً بصورة عملية وممنهجة كل ما يمتّ له بصلة، بدءاً من الاحتفاظ بالسلاح، مروراً بتغييب بعض كبار رموز «الطائف» (وفي طليعتهم رئيس الجمهورية السابق رينه معوض، ورئيس الوزراء السابق رفيق الحريري)، وانتهاءً باستخدام السلاح في الداخل اللبناني عام 2008، ثم على المستوى الإقليمي في كل من سوريا والعراق واليمن بعد 2011.

اليوم «حزب الله»، الذي يفاوض مبعوثي واشنطن وتل أبيب في ملفات الحدود البحرية والبرية، يتكلَّم ويناور ويفرض ما يشاء من خارج الدولة اللبنانية ومن داخلها، في آن معاً، وذلك بحُكم هيمنته المطلقة على مختلف مؤسساتها التشريعية والمالية والأمنية.

فمعارك عين الحلوة دارت - وفق التقارير - بين مقاتلي «فتح» ومسلحين يوصفون بـ«الإسلاميين» المدعومين من «حزب الله» وإيران... في ظل غياب تدخّل الدولة. وأيضاً الدولة ما كانت موجودة في جريمة عين إبل، ولا مارست فعلياً الدور المنوط بها في حادثة الكحّالة الواقعة على طريق دولية استراتيجية، بينما نُسبت التفاصيل المزعومة لـ«الإرهابي المنتحر في الضاحية الجنوبية» إلى «مصدر أمني» مجهول الهوية والصدقية. بل الطريف في البيان الأمني زعمه أن «الإرهابي» رمى بنفسه من مبنى في ‫حي السلّم (الضاحية الجنوبية) وجرى اعتقال والده وشقيقه، وهما من التابعية السورية.

ثم إنَّ «الإرهابي» - والكلام لا يزال طبعاً للمصدر الأمني - شارك بتفجير في حي السيدة زينب الدمشقي في عاشوراء الماضي. ووسط كل هذه «التفاصيل» لم نعرف من المصدر المجهول (؟) وهُويَّة الجهة التي عاينت المكان وأجرت التحقيق، ولماذا لم تصدر المعلومات عن مصدر أمني معلن!

وأخيراً، نصل إلى مقابلة المحلل الإيراني العراقي التلفزيونية، وتعريفه لـ«الصداقة بين الشعوب» وقراءته لتاريخ الأزمات السياسية اللبنانية.

سعادة المحلل يقارن بين إقدام النظام الإيراني، وهو نظام لاهوتي ثيوقراطي في صميم استراتيجيته «تصدير الثورة»، أي القتال من أجل فكر النظام وقناعاته، وبين أسلوب نسج باقي دول العالم علاقاتها الخارجية. ولقد تناسى المحلل، أو ربما فاته، أن الدول التي قارن «صداقاتها» بـ«صداقات» دولته تتعامل مع حكومات، لا مع ميليشيات من لون طائفي مذهبي واحد، تعمد إلى تمويلها وتسليحها وتدريبها والسيطرة على أراضيها، أو استغلال هذه السيطرة للتوسع نحو أراضٍ أوسع وأكبر.

صحيح أن لبنان، وكذلك العراق وسوريا واليمن ومعظم دول المنطقة، عاشت فتناً وانقلابات واضطرابات قبل «الثورة الخمينية» عام 1979، لكن لم يتعرض أي من هذه الكيانات إلى احتلالات فعلية وعمليات توطين واستيطان، وتدمير لمؤسسات الدول وتهميشها لصالح ميليشيات خارجية الارتباط... وهذا باعتراف قادتها!

أكثر من هذا، أن الكلام عن «سيطرة» طهران على 4 عواصم عربية صدر أول الأمر عن قيادي إيراني في «الحرس الثوري»، ثم إن أحد خطباء المساجد الإيرانيين (اسمه الشيخ أحمد علم الهدى) هو الذي قال إن «حزب الله» اللبناني إيراني، و«الحشد الشعبي» العراقي إيراني، والحوثيين (أنصار الله) إيرانيون، وقوات الدفاع الوطني في سوريا إيرانية.

صداقات من هذا النوع يصحّ فيها قول الشاعر...

... ومن الصداقة ما يضرّ ويؤلمُ

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حُكْم الأصل والصورة في لبنان حُكْم الأصل والصورة في لبنان



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:09 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival
المغرب اليوم - سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival

GMT 15:40 2017 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

جمهور "الرجاء" ضمن أفضل عشرة مشجعين في العالم

GMT 02:22 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "DFSK" تطرح السيارة "K01" في مصر بـ46 ألف جنيه

GMT 10:13 2023 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يُؤكد أنه يقف بنسبة 100 بالمئة إلى جانب إسرائيل

GMT 16:52 2022 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

منتخب البرازيل يعلن مدة غياب نيمار عن الملاعب

GMT 18:23 2022 الإثنين ,10 كانون الثاني / يناير

المغرب يعلن اكتشاف كمية مهمة من الغاز قبالة سواحل العرائش

GMT 06:33 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تضاعف الاستثمارات الخارجية للمغرب 5 مرات مع نمو الصادرات

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 06:05 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

أحذية رجالية بتصاميم استثنائية من "ستيف مادن"

GMT 20:18 2020 الإثنين ,27 إبريل / نيسان

مطعم أسترالي ينقل البيتزا بالطائرة دليفري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib