الأزمة الليبية باقية وتتمدد

الأزمة الليبية باقية وتتمدد

المغرب اليوم -

الأزمة الليبية باقية وتتمدد

جبريل العبيدي
بقلم : د. جبريل العبيدي

«بيدي لا بيد عمرو» حكمة ندم وتضحية، تنطبق على المشهد الليبي المأزوم منذ عشرات السنين العجاف ونيف، فليبيا التي وحّدها الأسلاف الأجداد قبل سبعين عاماً، جاء اليوم الأخلاف الأحفاد ليقسموها بالتشظي السياسي، وبخطوات تكرس الانقسام الجغرافي وليس السياسي فقط.

وخطوة الإعلان عن تشكيل «الهيئة العليا للرئاسات»، تجمع الهيئة التشريعية والتنفيذية والقضاء، هي أشبه بخليط عجيب وغريب لاتفاق سياسي من دون مشورة باقي الأطراف، وهي خطوة خطيرة تكرس للديكتاتورية، بل وتحرض على الانفصال والمطالبة بالحكم الذاتي، وهي باطلة قانوناً، وتعد بمثابة فك الارتباط باتفاق جنيف المكمل لاتفاق الصخيرات، وجميعها أصبحت في حالة موت سريري يستعجل الدفن.

إن الحل يكمن في اجتماع القبائل الليبية التي هي المكون والممثل السياسي الحقيقي للشعب الليبي، حتى ولو بصيغة «الليوجيركا» للخروج من مأزق الفوضى، وكذلك الميليشيات التي تعصف بالبلاد بعد غرقها أو إغراقها في مستنقع الخلافات الآيديولوجية التي آخر همها الوطن. اجتماع القبائل الليبية جاء ليقدم أجندة وطنية خالصة في ظل غياب الأجندة الوطنية، فمن جلب المرتزقة لا يمكن أن يحقق أي تقدم في بناء دولة بإرادة وطنية. أسباب تعثر الحل في ليبيا هي في غياب الأجندة الوطنية، الأمر الذي تسبب في تعثر الوطن للنهوض من كبوته التي طال بها الزمن.

السياسيون الانتهازيون هم سبب خراب ليبيا، فهم يتحججون بأنهم في حاجة للوقت لإنهاء صياغة الدستور، في حين يكتبونه بتلاعب واضح بالألفاظ اللغوية لتشتيت الأزمة، وفي هذه الحالة لا يحق لهم التمديد لأنفسهم من دون استفتاء الشعب على بقائهم في السلطة، إذ إن هذا الأمر يعد إهانة للشعب الذي انتخب هذه الأجسام (البرلمان ومجلس الدولة).

الفشل السياسي تسبب في دعوات مطالبة بالحكم الذاتي في برقة الغنية بالنفط والماء، بل فكر بعضهم ممن لهجتهم أمازيغية في الجبل الغربي في الانفصال واجتزاء أراض ليبية، وتكوين دويلة في جغرافيا تفتقر حتى للماء والغاز والنفط، وفكر آخرون في دويلة تباوية في الجنوب حيث الذهب والماء، كما غيرهم أيضاً من المكونات. ما دام خيار المركزية الظالمة مستمراً، فسوف يصبح من حق الأقاليم المطالبة بحكم ذاتي، خصوصاً أن ليبيا أُسست على أساس اتحادي فيدرالي بين الأقاليم الليبية. إن برقة كتبت وصنعت جزءاً من التاريخ الليبي الحديث، حيث كانت سبباً في الوحدة الليبية مع إقليمي طرابلس وفزان، ضمن ما عرف بالمملكة الليبية المتحدة، وهي أول كيان سياسي ليبي عرفه التاريخ الحديث. يبقى خيار البقاء في ليبيا الموحدة هو أنفع للجميع.

الأزمة الليبية بدأت تتفاقم مع اللاءات لمنع الانتخابات في المدى القريب، أو ربما لا انتخابات أبداً في ليبيا المنكوبة بالفوضى والمراحل الانتقالية وصراع الشرعيات، أو أن هذا أرادته السلطات الثلاث (البرلمان ومجلس الدولة الاستشاري والحكومتان) ومن يملكون القرار في ليبيا.

«القوة القاهرة» التي جاءت في تقرير المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، من دون تسمية، ولا حتى الإشارة إليها، جعلتها فزاعة أو شبحاً أو عفريتاً يخشاه الجميع على الانتخابات.

الحديث عن الانتخابات ومنعها بذرائع مختلفة وكثيرة، منها شبهة التزوير في قائمة الناخبين والأرقام الوطنية رغم النفي المطلق من دائرة السجل المدني (النفوس)، يروج له شركاء جماعة الإخوان التي اعتادت على عرقلة أي شيء ليس مفصلاً على مقاس أعضائها، فبعد المعارضة والرفض لقوانين الانتخابات الليبية، التي صراحة لم تقص أحداً بمن فيهم «الإخوان»، إلا أنهم كانوا من بين أول وآخر الرافضين لهذه القوانين وشروط الترشح، لأنهم كانوا يرغبون في وضع قيود تقصي كثيرين من الترشح لصالح مرشحين للجماعة، مما يعني أنهم لا يعترفون بالعملية الانتخابية ونتائجها إلا في حالة فوز مرشحيهم فقط.

فمنع قيام الدولة وتداول السلطة عبر الانتخابات يعد عملية انقلابية على المسار الديمقراطي المتعثر أصلاً في ليبيا، لأن «الإخوان» كانوا يرغبون في وضع شروط للترشح الرئاسي تقصي خصومهم وتكون مفصلة على مقاس مرشح إخواني أو تابع إخواني. ففي البدء كانوا يرفضون انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، لأنهم يعلمون ضآلة حجمهم في المجتمع وخسارتهم المسبقة، ولهذا سعوا إلى إفزاع الناس وترهيب الناخبين وعرقلة الانتخابات حتى باتت الدولة في حكم الاغتيال السياسي، ومشروع الانتخابات فشل وتم اغتياله، وبدأ مشروع الذهاب للحوار الفاشل بتمويل خارجي الذي لن يكون محايداً، وبشخوص جدلية متكررة على كل طاولة للحوار مرة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة الليبية باقية وتتمدد الأزمة الليبية باقية وتتمدد



GMT 07:57 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مآسى حوادث الطرق!

GMT 17:53 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

سببان مهمَّان في زيارة واشنطن

GMT 17:50 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين وخرائطها

GMT 17:47 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بولاق: أول متحف في أفريقيا والشرق الأوسط

GMT 17:44 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان والأمير والرئيس... ماذا بعد؟

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 15:14 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا
المغرب اليوم - لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا

GMT 11:21 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

هاني سلامة يعود إلى السينما بعمل جديد بعد غياب 14 عاما
المغرب اليوم - هاني سلامة يعود إلى السينما بعمل جديد بعد غياب 14 عاما

GMT 15:54 2024 الجمعة ,09 شباط / فبراير

هجوم صاروخي على مطار المزة في دمشق

GMT 13:17 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

زهير مراد يفضّل الأوف وايت والزهري لفساتين الزفاف

GMT 08:18 2015 السبت ,13 حزيران / يونيو

شاطئ طنجة يلفظ حوت ضخم مصاب بالرصاص

GMT 14:10 2020 الجمعة ,20 آذار/ مارس

رصد 4 إصابات جديدة بفيروس كورونا في سبتة

GMT 04:59 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

المصري حسن حسني يكشف عن أمنيته في العام الجديد

GMT 03:25 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار طائرة من طراز فريد على هيئة جناح فندقي

GMT 02:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الفالح يعلن أن السعودية تخطِّط لزيادة إنتاجها النفطي

GMT 19:16 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد سعد يطرح أحدث أغانيه "أنا الأصلي" على محطات الراديو

GMT 09:43 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

اتحاد طنجة يتعاقد مع هداف الدوري الكاميروني

GMT 13:15 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

Mercedes AMG تكشف رسميًا عن G63 2019

GMT 02:55 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

​مدينة سلا تشهد جريمة مُروّعة تنتهي بمقتل لص وإصابة آخر

GMT 05:29 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

دونالد ترامب يبحث استخدام "نغمة متوازنة" مع بيونغ يانغ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib