أميركا وترمب نهج «الأنا والآخر»

أميركا وترمب: نهج «الأنا والآخر»

المغرب اليوم -

أميركا وترمب نهج «الأنا والآخر»

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

عندما كتب الأميركي صاموئيل هنتنغتون كتابه «أميركا: الأنا والآخر»، كان يطرح سؤالاً مهماً مضمونه «من نحن؟»، وهو الجدل الكبير في أميركا حول الهوية الأميركية، الأمر الذي ظهر هاجساً كبيراً في عهد الرئيس دونالد ترمب الأول، وبعد هزيمته أمام بايدن، وظهور أنصاره أمام «الكابيتول»، بل اقتحامه.

الجدل حول الهوية، وتمركزه حول مفهوم «الأنا والآخر»، انعكس سلباً على ملف الهجرة والمهاجرين وناصَبهم العداء؛ خشية من «الكوبنة» Cubanization وحتى «المكسكة» Mexicanization، وهو ما أطلق عليه صاموئيل هنتنغتون الغزو الديمغرافي لمناطقَ كانت قد احتلها الأميركيون، بل طال الأمر حتى المولودين في أميركا، وصعود واضح للهويات الوطنية الفرعية كردّ فعل واضح، رغم أن أميركا في أصل تكوينها كدولة حديثة هي خليط من الإثنيات والمهاجرين وأقلية من الهنود الحمر الذين تعرّضوا لأبشع إبادة في التاريخ.

الخلاف على الهوية الأميركية تسبَّب في الاعتراض حتى على استخدام اللغة الإنجليزية، ولعلّ مجاهرة حاكم ولاية فلوريدا بوب مارتينيز حين قال: «لا نختار للأميركيين ديانتهم ولا عِرقهم، فلِم نختار للأميركيين لغتهم؟!»، كأنه يعترض على اختيار اللغة الإنجليزية، والتي حاول الرئيس ترمب أن يَسخر، من خلالها، من بعض الرؤساء الأفارقة، وهم ضيوفٌ على طاولته، مِن كون أحدهم يجيد اللغة، والباقين لا، في مشهدٍ كرَّر مفهوم «الأنا والآخر»، كما شرحه أحد كبار مفكري أميركا صاموئيل هنتنغتون.

الضيوف الأفارقة الخمسة تعرّضوا لإحراجِ وسخرية ترمب، لدرجة أنه طلب من أحد الرؤساء: «فقط قل لنا اسمك وبلدك»، بينما الرئيس الأفريقي كان منهمكاً في التعريف باقتصاد بلاده، ورغم أن الرؤساء الأفارقة الخمسة كان اجتماعهم مع ترمب بسبب أن بلدانهم شريك مهم في إنتاج المعادن، بينما الرئيس ترمب تجاهل السبب من الاجتماع، وكان يجهل أن ليبيريا ناطقة بالإنجليزية وهي لغتها الرسمية، ولكن أيضاً لا يقع اللوم فحسب على عقدة «الأنا والآخر» عند ترمب، بل حتى بعض الضيوف كانوا الأفضل لو تحدثوا بلغتهم الوطنية وتركوا الإحراج للمترجمين، بدلاً من الحديث بلسان أعجمي لا يُحسنون نطقه، مما جعلهم محل إحراجات الرئيس ترمب.

المحرَجون الأفارقة ليسوا أول ولا آخِر المحرَجين في ضيافة الرئيس ترمب، فقد سبقهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والذي تعرَّض للحرج الأشبه بالتوبيخ اللاذع من ترمب ومن صحافة البيت الأبيض، حيث طالت السخرية حتى من ملابسه.

مفهوم «الأنا والآخر» كان واضحاً من خلال دبلوماسية إحراجات دونالد ترمب للرؤساء والضيوف، والتي لا تنتهي، لكن هل ستكون هناك نهاية للترمبية السياسية في الشارع الأميركي والحالة الشعبوية التي عززها ترمب؟ لا أظن ذلك في القريب المنظور، خاصة في ظل حالة انقسام مجتمعي وليس سياسياً انتخابياً ينتهي بليلة إعلان النتائج، ويعود كل شخص إلى بيته فرحاً بفوز أو حزيناً بخسارة مرشحه. إذ يَسخر البعض بأنه لا فرق بين الجمهوري والديمقراطي إلا كالفرق بين البيبسي والكوكا الكولا، ويتكهن البعض بانهيار الإمبراطورية الأميركية من الداخل بسبب الهوية الأميركية، كما يروّج إعلام «حزب الله» وإيران.

أزمة الهوية وصراع «الأنا والآخر»، وشعبوية ترمب السياسية، كثيراً ما انقلبت عليه بعد أن تجسدت في تضامن شعبي، فعداوة ترمب للأجانب والمهاجرين ليست جديدة، حيث أسقط القضاء الأميركي ومنع تنفيذ قرارات رئاسية كثيرة في هذا الملف، مما يعكس حالة استقطاب شديد داخل المجتمع الأميركي.

على العكس من شعبوية ترمب، فإن السياسة الأميركية، خاصة الخارجية، تخضع لاستراتجية مرسومة لسنوات، وليست رهينة لأشخاص وإن كانت تأثرت بالحالة الترمبية، إلا أن مسارها ثابت، أياً كان ساكن البيت الأبيض، فترتيب المصلحة والأولويات سيختلف بحكم المصلحة الأميركية، فأميركا خطها السياسي براغماتي بالمطلق.

لكن يبقى السؤال: هل سيستطيع ترمب أن يلمّ الشمل، ويوحّد الأمة المنقسمة، في ظل حالة انقسام شعبوي حادّ غير مسبوق في الأمة الأميركية، وهل سيتمكن من السيطرة على ملفات معقدة كثيرة؛ منها حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل، والملفات النووية في إيران وكوريا الشمالية، والصراع بين الهند وباكستان، والحرب الروسية على أوكرانيا، وجميعها ملفات ملتهبة لا يمكن تسويتها من خلال مفهوم «الأنا والآخر»؟ المنهج الذي يستخدمه ترمب حالياً، وهو ما قد يتسبب في خسائر أميركية كبيرة. فليس كل من جاء إلى أميركا والبيت الأبيض يُعد من المتسولين، بل هناك شركاء حقيقيون يمكن أن يحققوا مصالح ونفعاً لأميركا وأصدقائها.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا وترمب نهج «الأنا والآخر» أميركا وترمب نهج «الأنا والآخر»



GMT 18:24 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الملكة تُلَقِّنُ العالَمَ دَرْسًا أخلاقيًا

GMT 18:15 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لائحة الشرف

GMT 18:14 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

العلم هو الحل

GMT 18:12 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لحم أحمر ولحم أبيض!

GMT 18:11 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الدول الفاشلة

GMT 18:03 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

جي دي فانس... الخروج إلى دائرة النور

GMT 18:00 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

طبول الحرب تقرع في طرابلس

GMT 17:57 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

كنا نظنها حالة فريدة

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 22:46 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

إندريك يحصل على القميص رقم 9 في ريال مدريد

GMT 22:01 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الاتحاد المغربي يسلم ملعب بن سليمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib