قوس النصر يتحرر من قماطه

قوس النصر يتحرر من قماطه

المغرب اليوم -

قوس النصر يتحرر من قماطه

إنعام كجه جي
بقلم : إنعام كجه جي

بعد ثلاثة أسابيع من تربيطه بالحبال وتغليفه بقماش سماوي اللون، ها هو قوس النصر في باريس يتحرر من القماط الذي يراه بعضهم عملاً فنياً مذهلاً، ويراه آخرون انتهاكاً لصرح وطني. وأنا من جيل من الأمهات تمرّد على تقميط الأطفال. لم ألتزم وصايا نساء العائلة، وحجّة أنَّ القماط يحفظ الجسد الهش للطفل ويسند ظهره ويقوّم ساقيه. هل هناك أم يطاوعها قلبها أن تربط وليدها بلفائف القماش وتحبس أنفاسه وتقيّد حركاته؟
حين وقفت أمام القوس المُكفّن أشفقت عليه من عبث الحداثة. لقد أراده الإمبراطور نابليون طوقاً شاهقاً يمرّ تحته القادة المنتصرون، لكنَّه مات عام 1821 قبل أن يراه. وجرى تدشينه عام 1836 في عهد الملك لويس فيليب. ومنذ ذلك التاريخ والسياح يقتنون التذاكر للصعود إلى سطحه والإطلالة على جادة الشانزليزيه من ارتفاع 50 متراً. أما ضيوف فرنسا الكبار فيزورون الشعلة الموقدة تحت القوس ويتركون عندها باقات الورد. صار اسمها شعلة الذكرى. مرقد رمزي للجنود المجهولين فيما مضى من حروب، وما في علم الغيب. وفي السادسة والنصف من كل مساء يعاد تأجيج الشعلة التي يحرسها جنديان.
كان التغليف عملاً فنيّاً مؤقتاً منذوراً للفناء. لن يكون خالداً سوى في الصور وخزانة «غوغل». حلم جميل كلفته 15 مليون يورو طاف في مخيلة فنان. وها هو الاستعراض قد انتهى، فأين سيذهب القماط؟ 25 ألف متر مربع من خامة البوليبروبلين الزرقاء ذات الانعكاسات الفضية، لو وضعت «طالبان» عليها اليد لتمكنت من تغطية كل النساء المارقات على قوانينها. لكن، ومثل كل أعمال التغليف السابقة التي اشتهر بها الفنان كريستو، سيعاد تدوير القماش لاستخدامات نافعة. وهناك 3 آلاف متر من الحبال الحمراء، وكلها ستذهب لصالح منظمة غير حكومية تحارب تلوث البحار. يقولون إنَّ هذه المنظمة تسعى لتصنيع خامات جديدة نظيفة وبدائل للنايلون الذي لا يتحلل في الطبيعة. وهو جهد لن يتحقق إلا بتوحيد جهود ناشطي البيئة مع العلماء والفنانين في أنحاء العالم.
والحديد؟ ماذا عن العوارض الحديدية التي استخدمت في تغليف قوس النصر؟ لقد جاء نصفها على سبيل الاستعارة من شركة فرنسية كبرى للصلب، وهو سيعود لها. والباقي سيجري تدويره لحساب شركة عالمية تقدم خدمات لتحسين البيئة في باريس. لقد حسبوا حساب كل شيء لكيلا يفتح الفرنسي فمه صارخاً بأن هذا القماط خرج من جيب دافع الضرائب. وحتى لو قام جان فرنسوا شالغران، مهندس القوس، من قبره، فإنه لن يجد ما يعترض عليه. لقد رفعوا الحجاب وعادت الحجارة العتيقة عارية وجميلة.
لكن ربط القماط ليس مثل حلّه. ونظراً لتعقيدات العمل فإن تفكيكه سيستغرق شهراً. ولعل تغليف القوس لمدة ثلاثة أسابيع ومنع الصعود إلى سطحه، كان مناسبة لأن يكتشف الزوار وجود ثلاثة أقواس أخرى للنصر في باريس. الأول يقع عند مدخل الحديقة المقابلة لمتحف «اللوفر»، وهو من تصميم المهندسين بيرسييه وفونتين وتم تشييده لتكريم انتصار نابليون في معركة «أوسترليتز» على الجيشين الروسي والنمساوي عام 1805. ويقع القوس الآخر، وهو الأقدم، إذ بني عام 1672 عند شارع سان دوني، وسط العاصمة، وصممه المهندس بلونديل لتمجيد الملك لويس الرابع عشر. وغير بعيد عنه يقع قوس شارع سان مارتان، في باريس القديمة، وهو أحد ثلاثة أقواس شيدت على امتداد الشارع تنفيذاً لرغبة لويس الرابع عشر أيضاً، لتخليد انتصاراته هنا وهناك.
يذهب القادة وتتحول عظامهم إلى مكاحل وتبقى الأقواس شواهد سياحية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قوس النصر يتحرر من قماطه قوس النصر يتحرر من قماطه



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib