كيف وصلت منظّمة التحرير إلى أوسلو

كيف وصلت منظّمة التحرير إلى أوسلو؟

المغرب اليوم -

كيف وصلت منظّمة التحرير إلى أوسلو

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

هناك ظاهرات وأحداث لا يكمن تأويلها فيها هي نفسها بقدر ما يقيم في ما سبقها، وأحياناً في ما تلاها. اتّفاق أوسلو الفلسطينيّ - الإسرائيليّ، الذي تُستعاد اليوم ذكراه الثلاثون، يندرج في الخانة هذه.

الذين يأخذون على ياسر عرفات ورفاقه أنّهم «خانوا» القضيّة الفلسطينيّة و»فرّطوا بها» بتوقيعهم على أوسلو، كان يمكنهم أن يأخذوا على الزعيم الفلسطينيّ مآخذ كثيرة جدّاً وقاسية جدّاً إلاّ هذا المأخذ. لكنّ ما يدفعهم إلى التخوين ينبع جزئيّاً، لا حصريّاً، من تجاهلهم حقيقتين كبريين سبقتا الاتّفاق المذكور ومهّدتا إليه الطريق.

أمّا الحقيقة الأولى فهي الضعف التكوينيّ لقضيّة رُهن انتصارها طويلاً بعمل عسكريّ يحصل خارج فلسطين. ذاك أنّ التصوّر هذا، الذي عبّرت عنه الثورة الفلسطينيّة وتمسّكت به حتّى 1982، يبقى أقرب إلى شِعر ملحميّ يكتبه أطفال صغار. فأن تهبّ الشعوب العربيّة، وربّما الجماهير الإسلاميّة معها، وتلتحق بمهمّة التحرير التي تهزم «الكيان الصهيونيّ»، فهذا كلام يتغافل عن أنّ تلك الشعوب استقرّت في دول ومجتمعات، وأنّ الدول والمجتمعات تلك ليست مجرّد مصائب عليها، مصائبَ تنوي شعوبها التخلّص منها في أقرب فرصة، بل هي أساساً منافع فعليّة ومداخل إلى العالم المعاصر، وإن شابها الكثير من القصور وأثارت الكثير من النقد المُحقّ. ثمّ إنّ الدول والمجتمعات تلك مؤسّسةٌ على توازنات لن يفعل التسلّح والانخراط في القتال إلاّ تفجيرها. هكذا تنشقّ البلدان إلى طرف مسلّح يهيمن، ويكون مدعوماً بعصبيّة ما، وطرف غير مسلّح يخضع ويهيمَن عليه أو يقاوم خضوعه، مسنوداً بعصبيّة أخرى. وبدل أن يجتمع الطرفان على «تحرير فلسطين»، وفقاً لما تزعمه الخرافة، يفترقان ويصارع كلٌّ منهما الآخر راغباً في «تحرير» بلده منه.

لهذا فما سمّاه خصوم عرفات «استسلام أوسلو» لم يكن من جنس الزلازل التي يصعب توقّعها قبل حدوثها. لقد كان تتويجاً لمسار هو نفسه مسار الثورة من خارج البلد الذي يُراد للثورة أن تحرّره.

وما حدث في الأردن إبّان 1970 – 1971 ثمّ في لبنان ما بين 1975 و1989 ينمّ بوضوح عن أنّ «التفاف الجماهير» حول الثورة الفلسطينيّة تحوّل نزاعاً بين العصبيّتين الفلسطينيّة والشرق أردنيّة، وبين العصبيّتين الفلسطينيّة والمسيحيّة، ثمّ العصبيّتين الفلسطينيّة والشيعيّة. حيال هذا الواقع الضاغط، بات الكلام عن «القضيّة المقدّسة» و»القضيّة المركزيّة» تكراراً ببغاويّاً يرتفع به الصوت مع كلّ انخفاض يصيب الالتزام الفعليّ بالقضيّة تلك.

أمّا المراهنون على الجيوش العربيّة أداةً للتحرير، فكانت حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 قد أكّدت للعقّال منهم أنّها الحرب الكلاسيكيّة التي أنهت الحروب الكلاسيكيّة العربيّة – الإسرائيليّة، وأنّ ما فعلته الجيوش حينذاك كان أقصى ما تستطيع فعله. وبالفعل فبعد أربع سنوات باشرت مصر، في ظلّ أنور السادات، خروجها من حالة الحرب، ومن دون مصر، يُشَكّ كثيراً في أن تخاض حروب. أمّا سوريّا، في ظلّ حافظ الأسد، فأحكمت إقفالها لحدودها مع «العدوّ الصهيونيّ»، واستعاضت عن الصراع معه بـ»الساحة اللبنانيّة» وبالكثير من القصف اللفظيّ للدولة العبريّة.

هذه الخلفيّة التعيسة رشّحت القضيّة الفلسطينيّة ونظريّة التحرير من الخارج لمصيرٍ ليست القوّة من أوصافه، وهذا ما تولاّه الإسرائيليّون عبر غزوهم لبنان في 1982. ولمّا كان الدعم الماليّ الخليجيّ من شروط نظريّة التحرير تلك، جاءت مباركة منظّمة التحرير لصدّام حسين في غزوه الكويت لتنسف ما تبقّى من فعّاليّة تنطوي تلك النظريّة عليها.

وأمّا الحقيقة الثانية التي تفسّر أوسلو وتنازلات أوسلو فتجسّدها المهمّة «التأديبيّة» التي تولاّها الرئيس السوريّ حافظ الأسد والتي أكملت ما بدأه الغزو الإسرائيليّ. فشقّ «حركة فتح» والضربات العسكريّة الموجعة التي وجّهها النظام السوريّ لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة في لبنان، في البقاع وطرابلس وحرب المخيّمات واغتيالات الخارج التي تقاسمها الأسد وصدّام والإسرائيليّون، فتولّت جميعها إنهاك المنظّمة وإشعارها أنّ باب الجحيم هو وحده غير موصد. وهذا كلّه جاء موازياً لمحاولة استحواذ أسديّ متواصلة على ما كان يسمّيه عرفات «القرار الوطنيّ المستقلّ» للفلسطينيّين.

فحين حلّ مؤتمر مدريد في 1991، ثمّ أوسلو بعد عامين، بدا واضحاً أنّ ما من توازن قوى يسند المطالبة بما هو أعدل للفلسطينيّين الذين نُزعت أسنانهم وأظافيرهم. بل أنّ ما ستناله المنظّمة سيكون، في أسوأ أحواله، أفضل ممّا يمنحها إياه توازن القوى القائم. أمّا الرفض والاستمرار في القتال فبات يطرح أسئلةً إجاباتُها بديهيّة، من نوع: أين؟ وكيف؟ وبمن؟ وبالطبع، لم يظهر بتاتاً ما يشير إلى أنّ الجبهة السوريّة سوف تقلّد الكلام السوريّ وتُفتح أمام «تحرير فلسطين».

وكان المدهش، ولا يزال، أنّ الأسد الذي كان الطائرة التي أقلّت عرفات إلى أوسلو، ظلّ أكثر الذين ينتقدون «التفريط العرفاتيّ» في أوسلو، ممّا تحوّل مهنةً لتابعيه الكثيرين.

أمّا ما حصل بعد ذاك الاتّفاق، سوريّاً وإيرانيّاً وإسرائيليّاً، وفلسطينيّاً أيضاً، فكان من الفصول الأشدّ هولاً وفظاعة في كتاب الأهوال والفظاعات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف وصلت منظّمة التحرير إلى أوسلو كيف وصلت منظّمة التحرير إلى أوسلو



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib