فيتنام ـ فلسطين ـ لبنان والزمن المفتوح وراءنا

فيتنام ـ فلسطين ـ لبنان والزمن المفتوح وراءنا

المغرب اليوم -

فيتنام ـ فلسطين ـ لبنان والزمن المفتوح وراءنا

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

خبرٌ مرّ علينا مرور الكرام. لا استرعى انتباهنا ولا أثار تعليقنا:
فيتنام أعلنت أنّها وإسرائيل سوف توقّعان اتّفاقيّة للتجارة الحرّة. حصل ذلك بعد سبع سنوات من تفاوض الدولتين.
في ذيل هذا الخبر المثير أخبار ليست أقلّ إثارة: إنّ التجارة الثنائيّة بين البلدين ارتفعت بنسبة 18 بالمئة العام الماضي، بحيث بلغ حجم التبادل 2،2 مليار دولار. إسرائيل تصدّر إلى فيتنام إليكترونيّات وأسمدة، فيما تستورد منها الهواتف الذكيّة والأحذية والمأكولات البحريّة. أمّا الاتّفاقيّات، الثنائيّة والمتعّددة الأطراف، الموقّعة منذ التسعينات بينهما، فتجاوز عددها الـ15. الأهمّ، أنّ فيتنام – التي تخشى قوّة جارها الصينيّ –، من أكبر زبائن الصناعات العسكريّة الإسرائيليّة، والدولة العبريّة هي ثاني أكبر مُصدّر أسلحة لفيتنام بعد روسيا، كما تسعى إلى بيع الفيتناميّين قمراً اصطناعيّاً.
جدير بالذكر أنّ البلدين وقّعا، في 2011، على اتّفاق يقضي بالحفاظ على سرّيّة العلاقات الأمنيّة بينهما، «الأمر الذي سرّع تطوّر هذه العلاقات»، بحسب وكالات الأنباء.
الكلام عن فيتنام ليس تفصيلاً. قيمته الفعليّة كبيرة جدّاً، لكنّ قيمته الرمزيّة أكبر. فنحن هنا نتحدّث عن البلد الذي عدّتْه الثقافة السياسيّة العربيّة السائدة «الحليف الوثيق لقضيّة فلسطين في مواجهة الإمبرياليّة والصهيونيّة». إنّها المثال الذي دعانا كثيرون، في الستينات والسبعينات، إلى النسج على منواله، لأنّها استطاعت إلحاق «هزيمة مطنطنة بالإمبرياليّة» التي هي بالطبع «حليفة إسرائيل الموضوعيّة».
الشاعر المصريّ الشعبيّ أحمد فؤاد نجم كان قد طمأن الفلسطينيّين بأنّ
«فيتنام عليكو البشاره
بالنصر طالعه
من تحت مية ألف غاره».
البشارة، على ما يبدو الآن، ليست مدعاة للاطمئنان. النذير فيها أقوى من البشير.
والحال أنّ ثقافة سياسيّة أكثر حيويّة من ثقافتنا كانت لتختار المراجعة بدل التجاهل: مراجعة ما حصل في فيتنام ولماذا، ومراجعة ما قلناه عنها تحليلاً وخطابةً وشعراً. يزيد في الإلحاح على مهمّة كهذه أنّ ما من انقلاب عسكريّ جرى هناك، وما من إدارة بديلة انتخبها الشعب.
لقد حصلت، مع هذا، تغيّرات جيليّة وفكريّة سارت في موازاة الانتقال من أولويّة القضيّة إلى أولويّة البلد ومصالحه بالطريقة التي يراها فيها حكّام فيتنام.
ولو اعتمدنا المراجعة بدل التجاهل، لتبدّت إحدى المشكلات هنا بالتحديد: ما العمل لكي يبقى الأصدقاء أصدقاء بعدما يتحوّلون من أولويّة القضيّة إلى أولويّة البلد والمصالح؟ ذاك أنّ مثل هذا التحوّل لا بدّ أن يحصل في بلدانهم عاجلاً أم آجلاً، اللهمّ إلاّ إذا افترضنا أنّ شعوب الأرض سوف تعيش إلى ما لا نهاية في الخندق، أو اشتهينا لها ذلك.
الأهم، وهو ما يفسّر جزئيّاً عدم مراجعتنا، ذاك التعاكُس بين مسار المشرق العربيّ ومسار الفيتناميّين. فاحتفالنا بذاك البلد «المقاوم» استمرّ حتّى النصف الأوّل من السبعينات، ومع تحرّر فيتنام، ثمّ توحيدها، بدأ يتراجع ذكرنا لها إلى أن اضمحلّ أو كاد. حاليّاً، تظهر فيتنام، في الكتابة العربيّة، كأنّها بلد استقال من الوجود ولم تعد تتّسع له الخريطة.
قبل أيّام، مع إطلاق الصواريخ من لبنان على إسرائيل، وصف بعض المراقبين اللبنانيّين والعرب ما يجري بأنّه «عودة إلى السبعينات»، أي تحديداً إلى ذاك العقد الذي غادرته فيتنام وغادرت معه العيش في الخندق.
ففي لبنان، عاد الحديث قويّاً عن «غرفة عمليّات مشتركة لقوى المقاومة»، وعن «وحدة الساحات»، وعن إمكان التورّط أكثر فأكثر إذا مضى المتطرّفون الإسرائيليّون في انتهاك مقدّسات إسلاميّة في فلسطين... وإذا صحّت الرواية الشائعة القائلة إنّ «حماس» هي التي أطلقت الصواريخ، بات الشبه بالعام 1975، سنة اندلاع الحرب الأهليّة، قويّاً جدّاً: بدل «منظّمة التحرير» تحلّ «حماس»، وبدل «الحركة الوطنيّة» يحلّ «حزب الله»، مع فارق القوّة في الحالة الأخيرة.
ماذا يعني ذلك؟ مزيد من الحدود المخلّعة والبؤس الاقتصاديّ والأرضي المحروقة والتصدّعات الطائفيّة والإثنيّة داخل البلدان المعنيّة، وطبعاً مسافة أبعد فأبعد عن إرساء سيادات وطنيّة في لبنان وسوريّا وعموم المشرق العربيّ.
على هذا النحو يبدو الفارق بيننا وبين الفيتناميّين فارقاً حيال الزمن أيضاً: هم اختاروا مبارحة القضيّة والخندق نحو الدولة والمصالح. لقد اختاروا ذلك بطريقة قد لا نوافقهم عليها، لكنّ هذا موضوع آخر. أمّا نحن المقيمون الأبديّون في قضيّة، لا في بلد بعينه، فنبارح يومنا هذا إلى السبعينات التي إن اضطُررنا إلى مبارحتها توجّهنا إلى الستينات وربّما إلى الخمسينات. فعقود الزمن مفتوحة من الجهة الخلفيّة، شريطة أن يكون الخندق دائماً مؤمَّناً. وحدهم الذين يسبقوننا في هذه المباراة هم المستوطنون الدينيّون اليهود الذين تُحسب بالقرون وحدات قفزهم إلى الوراء. يُستحسن أن نتدبّر أمرنا!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيتنام ـ فلسطين ـ لبنان والزمن المفتوح وراءنا فيتنام ـ فلسطين ـ لبنان والزمن المفتوح وراءنا



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib