خطّا القضيّة الفلسطينيّة المتوازيان

خطّا القضيّة الفلسطينيّة المتوازيان

المغرب اليوم -

خطّا القضيّة الفلسطينيّة المتوازيان

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

لم يكن التناقض بين وجهي القضيّة الفلسطينيّة، الخارجيّ منهما والداخليّ، على الحدّة التي نراها الآن:

من جهة، تشهد القضيّة المذكورة تأييداً وتعاطفاً في العالم غير مسبوقين، وهذا ليس فقط لأنّ إسرائيل تعيش أيّاماً بالغة السوء. فإلى ذلك، وقبل ذلك، تتّسع في الغرب، وعلى نطاق كونيّ، حركة الاعتراض على الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينيّة، ويكبر الاستياء من تجاهل إسرائيل القانونَ الدوليّ وإملاءاته.

ونقّاد الدولة العبريّة ما عادوا يقتصرون على طلاّب الجامعات وعلى الأحزاب الهامشيّة في الغرب، ولا على أنظمة عسكريّة وأمنيّة مكروهة ومُدانة. فإلى هؤلاء، بات أولئك النقّاد يقيمون أيضاً في أحزاب المتن العريض للدول الديمقراطيّة نفسها. وبدوره فانكسار قبضة الإعلام التقليديّ وتعاظم دور الإعلام الاجتماعيّ صبّا ويصبّان في الوجهة إيّاها. كذلك قوّى هذا الميلَ مزاجٌ ثقافيّ جديد، مفاده انزياحُ التعاطف عن القويّ إلى الضعيف، وعن المنتصر إلى المهزوم...

هكذا باتت حقوق الفلسطينيّين واحداً من بنود المطالب الإنسانيّة العريضة، والمطالب العداليّة والمساواتيّة، وإن باتت كذلك واحداً من بنود المطالب الشعبويّة المناهضة، لسبب ولا سبب، للغرب.

من جهة أخرى، فإنّ المكسب المتمثّل بتأييد القضيّة الفلسطينيّة يتحوّل إلى دعم يُمنَح لطوبى لا تتحقّق، طوبى قد لا يكون لها مكان على الأرض وفي الواقع. إنّه أشبه بهديّة لا يوجد من يتسلّمها، أو بغربال مثقوب يُصبّ فيه الماء.

وهذا مؤلم جدّاً، لكنّ مصادر الألم أكثر كثيراً من أن يُزيلها إبداء الألم، كما أنّها أعقد كثيراً. فهناك اليوم حرب أهليّة فلسطينيّة – فلسطينيّة تخبو لتشتعل ثمّ تشتعل لتخبو، وهي تخاض على جبهات عدّة وفي غير مكان وبوتائر متفاوتة. والحال أنّ وقف إطلاق النار أو منع احتمال النار صارا الهدف الفعليّ، وليس التوصّل إلى استراتيجيّة مشتركة أو أيّ عنوان طَموح آخر. فلقاء العلمين بين الفصائل الفلسطينيّة لم يسفر عمّا هو أكثر من دعوة لـ «استكمال الحوار» الذي تُشكَّل لأجله لجنة ربّما كانت اللجنة الألف لألف محاولة سابقة بهدف «إنهاء انقسام» لا ينتهي.

لكنْ في موازاة العجز هذا بلغ النشاطُ والديناميّة القتاليّان ذروتَهما في مخيّم عين الحلوة بجنوب لبنان: من جهة حركة «فتح»، ومن أخرى «أنصار الله» وتنظيمات إسلاميّة وثيقة الصلة بـ «حزب الله» اللبنانيّ. وفضلاً عن الضحايا وحركة النزوح الكثيفة لسكّان يعانون ظروفاً حياتيّة لا تثير إلاّ الأسى، عادت إلى الواجهة مسألة السلاح الفلسطينيّ المتفلّت ووقوع أمن المخيّمات خارج نطاق المسؤوليّة الأمنيّة للدولة اللبنانيّة. وعلى جاري العادة وجدت ذاكرة الحرب الأهليّة في تلك الاحداث ما ينبّهها، علماً بأنّ الذاكرة هذه شديدة اليقظة في لبنان.

بيد أنّ جنين نفسها، ومناطق ومدناً أخرى في الضفّة الغربيّة، لفحها التوتّر والاحتقان بين السلطة الفلسطينيّة والمسلّحين المَرعيّين من تنظيمي «حماس» و»الجهاد الإسلاميّ». وثمّة بين المراقبين مَن ينبّه إلى أنّ احتمال الانفجار لا يزال قويّاً جدّاً، وفي أيّ وقت. أمّا قطاع غزّة «المُقاوِم» فشهد تظاهرات حاشدة حرّكتْها المسألة المطلبيّة التي أضحت، بهمّة حكومة «حماس»، شديدة الوطأة على سكّان مقهورين بما فيه الكفاية.

يضاف إلى تلك التمزّقات التي يكلّلها الانشطار ما بين الضفّة الغربيّة وغزّة، والذي انقضى عليه 16 عاماً، واقع القطيعة الشاملة بين قيادات هرمة في «الدولتين» وهموم أجيال شابّة صاعدة ومتكاثرة. وهذا ناهيك عن إحدى سمات العمل الوطنيّ الفلسطينيّ، وهي قابليّة القضايا لأن تتعدّد وتتضارب تبعاً لتوزّع بلدان الإقامة ومناطقها، ناهيك عن توزّع الولاءات واختلافها.

والراهن أنّ تلك المشاكل، وهي بالطبع بالغة التعقيد، لا تحلّها نبرة الظفر الانتصاريّ التي تشيعها طهران والمُوالون الفلسطينيّون واللبنانيّون لها ممّن لا يتعبون من الاحتفال بـ «إنجازات» المقاومة وبمواجهة العواصف بالمَراكب الورقيّة. أكثر من هذا، تتحوّل النبرة المذكورة سبباً آخر من أسباب المعضلة وبرهاناً آخر على خطورتها. وواقع كهذا إنّما يتجسّد في ربط ما تبقّى من القضيّة الفلسطينيّة، ومن خلال هذا الفصيل أو ذاك، بسياسات طهران وحلفائها، علماً بمفاقمة ذاك الربط للخلافات القائمة أصلاً بين الفلسطينيّين أنفسهم، كما يجسّده توريط الأخيرين بمسائل ليست مسائلهم ولا تخدم حكماً أيّاً من مصالحهم.

وليس من المبالغة أن نتكهّن بأنّ العناصر المذكورة تلك، لا سيّما منها الدور الإيرانيّ، قد تُضعف بعض الالتفاف العالميّ الذي تحقّق حول فلسطين والفلسطينيّين.

وبالنتيجة، وكمثل كلّ الخطوط المتوازية، نجدنا أمام خطّين لا يلتقيان: واحدهما سوف يمضي ويستقرّ في عالم الكلام الطوباويّ الذي يُفرح القلب، والثاني يستقرّ في عالم الأفعال الدمويّة والاحترابات الأهليّة المصحوبة بضجيج انتصاريّ كثير يُدمي العقل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطّا القضيّة الفلسطينيّة المتوازيان خطّا القضيّة الفلسطينيّة المتوازيان



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا

GMT 13:24 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

''فريد غنام'' يطرح فيديو كليب ''الزين الزين''

GMT 20:55 2022 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جوجل تطمح لتقديم خدماتها بألف لغة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib