رياض الترك وكريم مروّة شيوعيّان عربيّان لم يعودا كذلك

رياض الترك وكريم مروّة: شيوعيّان عربيّان لم يعودا كذلك

المغرب اليوم -

رياض الترك وكريم مروّة شيوعيّان عربيّان لم يعودا كذلك

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

قبل أيّام قليلة رحل عن عالمنا السوريُّ رياض الترك واللبنانيُّ كريم مروّة. الاثنان اللذان فصلت أيّام بين رحيلهما، ولدا في العام نفسه، 1930. وهما ظلَّا لعقود شيوعيّين ثمّ قائدين شيوعيّين، قبل أن ينسحبَا، كلٌّ بطريقته، من شيوعيّتهما.

والحال أنّ السنوات التي عاشها الراحلان الكبيران، وهي تقارب القرن، عجّت بأحداث ضخمة وكثيرة في عدادها نهاية الحرب الباردة بانهيار الاتّحاد السوفياتيّ ومعسكره، وقبلها نهاية الحرب العالميّة الثانية باستقلال بلديهما وقيام نظام تعدّدت أشكال عسكريّته وأمنيّته في سوريّا، إلاّ أنّه ظلّ أمنيّاً وعسكريّاً، ما خلا انقطاعات عابرة، وهذا بينما اصطبغ الاستقلال اللبنانيّ بتوتّر أهليّ لم يخمد إلاّ ليعود أقوى وأشدّ، وبتحوّل طال القوى التي تواجه «لبنان القديم» بحيث استقرّت قيادتها في يد «حزب الله».

وتجربتا الترك ومروّة شملتا من المحاور والمعاني، ومن الإصابات والأخطاء، ما لا تتّسع له هذه الأسطر. بيد أنّ ما يعنينا هنا تفاعلهما الأكبر والأبرز مع تلك الأحداث، وما انتهيا إليه من تحوّل سياسيّ وإيديولوجيّ غنيّ في دلالته التي تتعدّى شخصيهما.

لقد سُمّي رياض الترك «مانديلاّ سوريّا»، بسبب السنوات التي قضاها في سجون الديكتاتوريّة حيث أبدى قدراً هائلاً من الصلابة والإصرار والصبر. لكنّ هذه السنوات توزّعت على النحو التالي: نصف سنة في 1952 في عهد ديكتاتوريّة أديب الشيشكلي العسكريّة، وأكثر من سنة في 1959 في ظلّ دولة الوحدة الناصريّة حيث سيم أقسى ألوان التعذيب، وحوالى 18 عاماً في زنزانة منفردة خلال عهد حافظ الأسد، ثمّ أكثر من عام في ظلّ نجله بشّار.

وأوّل ما يُلحَظ في هذه التجربة أنّ الترك لم ينجُ من السجن إلاّ إبّان الأنظمة المدنيّة التي لم تعمّر طويلاً، كذاك الذي امتدّ بين أواسط الخمسينات وقيام الوحدة في 1958، أو ذاك الذي سُمّي بـ»الانفصاليّة» ووُصم بالرجعيّة والعمالة للاستعمار وامتدّ من صيف 1961 حتّى الانقلاب البعثيّ الأوّل في 1963. أكثر من هذا، فإنّ الوساطة التي أخرجت الترك من سجن حافظ الأسد الرهيب والمديد ارتبطت باسم الرئيس الفرنسيّ يومها، الإمبرياليّ طبعاً، جاك شيراك.

أمّا في لبنان، حيث حال تركيب البلد دون قيام دولة طاغية وطغيانيّة، فحلّ الاغتيال محلّ السجون واضطهادها. هكذا تولّت المهمّة تنظيمات ميليشيويّة يُفترض أنّها، مثلها مثل البعثيّين، «حليف موضوعيّ» للشيوعيّين، يجمعها بهم العداء للصهيونيّة والإمبرياليّة أو «الشيطان الأكبر».

وكان حظّ كريم مروّة من هذا اغتيال قريبه «وأبيه الثاني» حسين مروّة، الكاتب الشيوعيّ الذي قُتل في بيته عام 1987، عن 77 عاماً، وقد قال الشيوعيّون يومها، وما زالوا، إنّه قضى على يد «قوى ظلاميّة» غامضة. ولاحقاً، في 2005، قُتل رفيق مروّة وصديقه الذي كنّ له إعجاباً كبيراً، جورج حاوي. لكنْ في وقت يرقى إلى 1959، فُجع كريم بمقتل قائده الشيوعيّ فرج الله الحلو الذي كان يشارك رياض الترك سجنه في دمشق. بعد ذاك، وكما هو معروف، ذُوّبت جثّة الحلو بالأسيد.

لم تكن للإمبرياليّة ولا للرجعيّة يد في تلك العذابات والمآسي التي صنعها بعض أشرس خصوم الإمبرياليّة والرجعيّة والصهيونيّة. وهي حقيقة يمكن مدّها إلى نطاق أبعد، حيث أنّ العسكريّ الناصريّ يومذاك، جعفر نميري، ومن بعده العسكريّ الإسلاميّ حسن البشير، هما اللذان تعاقبا على تدمير الحزب الشيوعيّ السودانيّ، أكبر الأحزاب الشيوعيّة العربيّة، فيما احتكر صدّام حسين، «حارس البوّابة الشرقيّة للوطن العربيّ»، تدمير الحزب الشيوعيّ العراقيّ، ثاني أكبر الأحزاب الشيوعيّة العربيّة.

هكذا كانت رحلة التحوّل عن هذه الشيوعيّة المفارقة لواقعها، بعد مرور القطبين الشيوعيّين في محطّة قوميّة بدا يومذاك أنّها التعبير الوحيد المتوافر والمقبول للتمايز عن تلك الشيوعيّة:

كريم مروّة انتقل من «شيوعيّ» و»ماركسيّ» إلى «يساريّ»، وتحدّث عن «نهاية الشيوعيّة» في العالم، لا في منطقتنا فحسب، كما تبرّأ منها بوصفها «صناعة كوارث». وقد توّج انتقاداته بالاستقالة من الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ في 1999. وحين انشقّ شيوعيّون في 2004 وأسّسوا، مع مثقّفين غير شيوعيّين، «حركة اليسار الديمقراطيّ»، بدا مروّة أقرب إلى أطروحاتهم، وإن آثر أن لا يكون له دور سياسيّ أو حزبيّ بسبب تفضيله التفرّغ للكتابة والتأليف.

أمّا رياض الترك الذي بات همّه الأوّل التحويل الديمقراطيّ لسوريّا، فتحدّث في 2003 عن «الصفر الاستعماريّ» قاصداً إعادة تصويب التاريخ الذي ردّته الأنظمة الأمنيّة إلى ما تحت الصفر بعد أن تركه الاستعمار في المحطّة الصفريّة. يومذاك لم يكن الحزب الشيوعيّ العراقيّ الذي تحمّس لإطاحة صدّام حسين، ولو على يد الولايات المتّحدة، يقول غير ذلك. وفي 2005 غيّر الترك اسم حزبه من «الحزب الشيوعيّ – المكتب السياسيّ» إلى «حزب الشعب الديمقراطيّ السوريّ».

لقد لاحظ المثقّف السوريّ الراحل جورج طرابيشي، ذات مرّة، أنّ تاريخ الشيوعيّة الفرنسيّة هو تاريخ تركها، وهو ما بات يصحّ في شيوعيّي العالم كلّه، بما فيه العالم العربيّ، بعد انهيار المعسكر السوفياتيّ. وتكريم الميّت دفنه، كما نعلم، ولكنْ أيضاً الاتّعاظ بتجربة حياته ونهايتها بحيث لا تتكرّر التجربة المؤلمة في ظلّ عناوين وتسميات أخرى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رياض الترك وكريم مروّة شيوعيّان عربيّان لم يعودا كذلك رياض الترك وكريم مروّة شيوعيّان عربيّان لم يعودا كذلك



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib