أن تكون «ضدّ» إسرائيل ولا تكون «مع» «حماس»

أن تكون «ضدّ» إسرائيل ولا تكون «مع» «حماس»

المغرب اليوم -

أن تكون «ضدّ» إسرائيل ولا تكون «مع» «حماس»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

تستند نظريّة الـ«ضدّ» المطلقة التي تقابلها «مع» مطلقة إلى طريقة في النظر تلخّص مشكلات الكون عبر ردّها إلى قضيّة واحدة وحيدة. وهذا علماً بأنّ النظريّة تلك، التي تنطلق من تصوّر البراءة الكاملة في جانب والشرّ الكامل في جانب آخر، تصحّ فحسب في حالة الفلسطينيّين ممّن تقتلهم آلة القتل الإسرائيليّة، على رغم كونهم مدنيّين. فهنا، وهنا فحسب، يجد المرء نفسه متمسّكاً بـ«ضدّ» مطلقة للجيش الإسرائيليّ وبـ«مع» مطلقة لضحاياه، وهم غير مقاتلين، من أهل غزّة.

أمّا طريقة النظر المذكورة التي تمدّ الـ«ضدّ» والـ«مع» إلى كلّ شيء آخر، وترى في نفسها مُرشِداً إلى حلّ مشكلات منطقتنا كلّها، إن لم يكن مشكلات العالم أيضاً، فيتحكّم بها عقل قَبَليّ جعلته الحداثة المشوّهة عقلاً توتاليتاريّاً. وبموجب الطريقة هذه لا يعود ممكناً أن يُجمع في موقف واحد بين مطلب الدولة الفلسطينيّة العادل وإرساء سلام نهائيّ في المنطقة، أو أن تُضمّ إدانة الإسلاموفوبيا إلى إدانة اللاساميّة، والعكس بالعكس، أو أن يُشار إلى انتكاسة تتعرّض لها الديمقراطيّات الغربيّة في انحيازها الصارخ إلى إسرائيل دون الوصول إلى خلاصة عدميّة كاعتبار أنّ تلك الديمقراطيّات انتهت واضمحلّت، أو أنّها مجرّد خدعة يخدّرنا بها الغربيّون. لا بل تحول تلك النظرة دون رؤية مشكلات أخرى لا حصر لها في اجتماعنا كما في السياسة والثقافة والاقتصاد ممّا يعني المنطقة على نحو قاهر.

والحال أنّ الميل التلخيصيّ والقطعيّ هذا ترفده أفكار وإيديولوجيّات كثيرة تعاقبت على انتهاك وعينا وانتهاك وعي العالم أيضاً. ولئن اندرجت في هذه الخانة العريضة نُتَف أفكارٍ من الماركسيّات الشعبويّة التي زاوجناها مع نُتف من الإسلام السياسيّ ومن القوميّة العربيّة، فلربّما كان أكثرها ضجيجاً في يومنا ذاك الخليط من ثقافة «الحركات الاجتماعيّة» ومجتمعها المدنيّ وتعاليم ما يُعرف بدراسات ما بعد الكولونياليّة. فهنا، وبما يلائم التلخيص السهل والكسول، تحتكر الساحةَ ثنائيّاتٌ مغلقة عن «الجلاّد والضحيّة» و«المستعمِر والمستعمَر» و«الأبيض وغير الأبيض»... والثنائيّات هذه لئن كانت تنطوي على قدر من الصحّة، يبقى أنّ تبسيطها وميلها القطعيّ وتحويلها إلى ديانة معاصرة تُضعف ما هو صحيح فيها. فنحن معها أمام نظرة إلى العالم من خارجه، ومن فوقه، نظرةٍ تُعجزنا عن رؤية مسائل الداخل الخاصّة بكلّ مجتمع على حدّة. لهذا فإنّ بعض ما يُطرح علينا راهناً إرفاق تلك النظرة (التي يحملها إنسان «متعاطف» يكاد أن يكون إنساناً مجرّداً في لندن أو نيويورك، لا ينطق بلسان مكان محدّد)، بنظرة أخرى تكون من الداخل، ومن تحت، يحملها سكّان هذه البلدان وفقاً لتجاربهم الكثيرة. وفي المعنى هذا يغدو مطلوباً إحداث مزاوجات صعبة، لكنّها مُلحّة، بين حقّ الشعب الفلسطينيّ والدفاع عن هذا الحقّ وبين التخوّف المشروع من العقليّة الحمساويّة كوعي وسلوك، إن لم يكن كمثالات تُستَلهَم من قادة لا يملكون من المثال سوى كونهم يقاتلون. ولا بدّ من التفكير دائماً بالحرّيّات على أنواعها وبشروط نمائها وازدهارها، وبما هو أفضل لتجنّب التعصّبات والحروب الأهليّة في منطقة تتقاذفها مخاوف جماعاتها، كما بالمناخ الملائم لتشكّل الدول والمجتمعات ولاستقرارها، ونحن في آخر المطاف دول ومجتمعات، وكذلك بأحوال المرأة ونمط الأفكار والعلاقات التي تخدم تمتّعها بالحرّيّة، وبصلتنا بالعالم الخارجيّ الذي لا يتأدّى عن القطيعة معه، كائنةً ما كانت سياساته، إلاّ الغرق في العزلة وربّما التعفّن. وبدوره فالتركيز على الوحشيّة الإسرائيليّة يُفترض أن لا يتعارض مع التنويه بتاريخ مديد من قتل التسويات السياسيّة في المنطقة، وبالتالي تحميل مَن كان وراء هذا القتل مسؤوليّته. وبطبيعة الحال فالاختلاف عن «حماس» وصحبها في رؤيتهم للمعركة ولمصلحة الشعب الفلسطينيّ، ناهيك عن الاختلاف الكبير عنهم في سائر المسائل الاجتماعيّة والمجتمعيّة، أمر مشروع جدّاً لأنّه مُقلق جدّاً وأساسيّ جدّاً. وليس يعوزنا أيّ وعي خارق كي نعرف أنّ الحمساويّة لا تستقيم مع حرّيّات النساء أو مطلب التعدّد أو ازدهار المجتمعات أو توطّد الدول أو الانفتاح على العالم أو استقرار العلاقات بين الطوائف والإثنيّات في المنطقة... وهي أمور لا تقلّ أهميّتها و«مركزيّتها» عن أيّ «تناقض رئيسيّ»، بل يغدو التناقض «رئيسيّاً» بالقدر الذي يتصالح معها ويتكامل.

فما ينتظرنا، لا سيّما بعد أن تسكت المدافع، ولكنْ قبل ذلك أيضاً، مهامّ مُركّبة لا يلحظها الوعي الثنائيّ، الخارجيّ والفوقيّ والتبسيطيّ. ومَن الذي يقول إنّ المرء لا يُصاب بمرضين، أو بأمراض عدّة، أو أنّه لا يتعرّض لخطرين، أو لأخطار كثيرة، في وقت واحد؟

والراهن أنّ الوحشيّة الإسرائيليّة حليف وثيق للتبسيط عندنا، وكلّما تعاظمت تلك الوحشيّة ازدهر لدينا أكثرُ أفكارنا ضيقاً وأشدّها فقراً وإعتاماً. لكنْ يُستحسن، أقلّه لمرّة واحدة، أن لا تُهدى تلك الوحشيّة فرصة قتلنا مرّتين!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تكون «ضدّ» إسرائيل ولا تكون «مع» «حماس» أن تكون «ضدّ» إسرائيل ولا تكون «مع» «حماس»



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib