القرداحيّة وليس قرداحي

القرداحيّة... وليس قرداحي

المغرب اليوم -

القرداحيّة وليس قرداحي

حازم صاغية
حازم صاغية

تتردّد في بيئة الممانعين اللبنانيّين حجّة تقول: إنّ الدفاع عن وزير الإعلام جورج قرداحي دفاع عن حرّيّة التعبير، فيما الهجوم عليه عداء لحرّيّة التعبير.هذه حجّة زائفة. حرّيّة الرأي والتعبير حقّ لقرداحي ولأيّ فرد، كائناً من كان وكائناً ما كان رأيه. لكنّ من يكون رأيه كرأي قرداحي لا يُسلّم منصباً وزاريّاً في بلد كلبنان. هذا ما تفعله كلّ بلدان العالم ديمقراطيّةً كانت أم غير ديمقراطيّة: ما من دولة توزّر شخصاً معروفاً بآراء تسيء إلى مصالحها القوميّة العليا. صحّة هذا المبدأ تتضاعف في ظرف كالظرف الراهن، حيث الاستقطابات الدوليّة والإقليميّة على أشدّها، ما يعني أنّ رفع آراء كآراء قرداحي إلى منصب سلطويّ أشبهُ بإعلان اصطفاف حربيّ.

والحال أنّ ظرفاً واحداً يجيز توزير قرداحي هو أن تكون فعلاً دولته في حالة عداء، وربّما حرب، مع الدولة التي يكرهها الوزير المعنيّ. فإذا تذكّرنا أقوال وزير سابق هو شربل وهبة، وكان يومذاك (على عكس قرداحي) يتولّى مهامّ وزارته، بات من الجائز أن يراودنا الشكّ: هل نحن في لبنان نعيش حالة عداء، وربّما حرب، مع بلدان الخليج؟
استطراداً، يمكن أن نضيف سؤالاً آخر بناءً على العقوبات الغربيّة المتلاحقة التي طالت بعض كبار الرموز اللبنانيّين، وفي عدادهم صهر رئيس الجمهوريّة جبران باسيل: هل نحن في حالة عداء، وربّما حرب، مع الولايات المتّحدة الأميركيّة وبلدان أوروبا الغربيّة؟توجب عدم توزيره لا تقتصر على السبب الآنف الذكر. لكنّ المهمّ، في آخر المطاف، هو القرداحيّة. ما هي القرداحيّة؟ إنّها آخر النسَخ من سياسة التغطية المسيحيّة لاستراتيجيّة تدمير مصالح لبنان وعلاقاته. الباسيليّة نسخة. اللحوديّة نسخة. الحبيقيّة نسخة. القوميّة السوريّة نسخة. الفرنجيّة نسخة... مع قرداحي يبلغ هذا الابتذال أوجَه.

مشروع التدمير يرعاه اليوم «حزب الله»، أمّا الذين يوفّرون له التغطية المسيحيّة فيستعيضون عن ضعفهم في بيئتهم الطائفيّة بتقديم تلك الخدمات والمزايدة فيها. لكنّ المدى الذي يذهبون إليه إنّما ينمّ عن مدى صعوبة المهمّة التي يتصدّون لها. تحويل قرداحي إلى بطل يقول ذلك ببلاغة وفصاحة.

ذات مرّة، بعد سنوات «التهميش المسيحيّ» المديدة، بدت المهمّة سهلة لأنّ الجنون بدا مطلوباً. الإحباط كان يستدعيه. هكذا نجحت العونيّة في الانقلاب على السياسات التقليديّة للمسيحيّين حيال «حزب الله» و«سوريّا الأسد» وإيران، كما حيال العرب والغرب. لقد حملت ثلثي المسيحيّين على اعتناق برنامج يفضي إلى انقلاب على معاني لبنان ووظائفه المعهودة. الآن اختلفت الأمور: القناعة الشعبيّة المتزايدة حول العلاقة بين سلاح «حزب الله» والانهيار الاقتصاديّ الشامل، ثمّ تفجير مرفأ بيروت، وأخيراً الأحداث الدامية في الطيّونة وعين الرمّانة...، هذه كلّها بدأت تعيد الأمور إلى نصابها. التراجع الهائل في شعبيّة العونيّين، عشيّة انتخابات عامّة مرجّحة، يقطع بذلك. توسّع نفوذ «حزب الله» واتّخاذ مطالبه شكل حدّ أقصى بالغ الجلافة يضاعفان عجزهم وحرجهم. انقشاع هزال «الحكم القويّ» وضعفه يبدّد كلّ وهم.

هكذا بتنا نعيش اليوم انتقال العونيّة، وبخطى سريعة، من لحظتها البشيريّةشعبيّاً إلى لحظتها اللحّوديّة.

لكنْ ما هي مرتكزات هذه المدرسة التي باتت القرداحيّة آخر تجلّياتها البائسة؟

- أنّ لبنان بلد مقاوم، والإقرار بأنّ مقاومته، أي «حزب الله»، هي الصانعة الفعليّة لقراره وهي جيشه الفعليّ. المطالب تنحصر في احتلال الواجهات: رئاسة الجمهوريّة تبقى لقرداحيٍّ ما، والأمن يتولّاه ظاهريّاً الجيش وقوى الأمن الأخرى. أمّا إذا كانت مصلحة المقاومة تستدعي التضييق على السلطة القضائيّة، فليكن.

- أنّ العلاقات العربيّة السويّة تُختصر بسوريّا وضمناً إيران! قف مع الأسد ضدّ السعوديّة وباقي الخليج ومصر والمغرب و... تكنْ عربيّاً جيّداً. قف مع الأخيرين تكن انعزاليّاً معادياً للعرب.
- أنّ العلاقة بالعالم الخارجيّ يمكن أن تتجنّب الولايات المتّحدة وأوروبا الغربيّة. روسيا احتمال كبير. الصين احتمال آخر. الحكمة المانعة تقول إنّ دروب العالم تقود إلى إسرائيل، فلنقطعها ولننعم بعزلتنا.

- إلى تلك البنود يضاف ملحق ثقافيّ: إنّ النجاح والفشل السياسيّين لا يُقاسان بالإنجازات الكميّة القابلة للقياس (الاقتصاد، الصحّة، التعليم...). إنّهما يقاسان بـ «الكرامة» لأنّ «الحياة وقفة عزّ» بحسب عبارة إنشائيّة سقيمة دارجة هذه الأيّام. تجميل الفقر والمرض والحرب والأمّيّة جزء من هذا «العزّ».

هذه الترّهات تتطلّب أبطالاً ورموزاً، وترشّح السيّد قرداحي لأن يكون أكثر من وزير. فالقرداحيّة باتت رمزاً للبنان جديد رأسُه تغطّيه خوذة حربيّة وقدماه عاريتان عالقتان في الشوك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القرداحيّة وليس قرداحي القرداحيّة وليس قرداحي



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 22:22 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يتصدر قائمة أعلى اللاعبين أجراً في الدوري الأميركي
المغرب اليوم - ميسي يتصدر قائمة أعلى اللاعبين أجراً في الدوري الأميركي

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018

GMT 18:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

لعبة "أسياد الشرق" صراعات ملحميّة تحاكي صراع الجبابرة

GMT 22:51 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يرغب في استقبال الدفاع الجديدي في ملعب العبدي

GMT 04:26 2016 الخميس ,25 شباط / فبراير

حرق سعرات حرارية دون بذل مجهود
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib