في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة

... في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة

المغرب اليوم -

 في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ليس هناك ما يغفر للإسرائيليّين ما فعلوه ويفعلونه بغزّة. ليس هناك ما يعذر هذا العقاب الجماعيّ القاسي والمتواصل، وهذا الحصار الذي يمنع الطعام والشراب والكهرباء والدواء عن الصغار والكبار، وتتوّجهُ موجة تطهير عرقيّ من عيار ملحميّ. ليس هناك ما يخفّف بشاعة إسهام إسرائيل في شحذ الكراهية وتجديدها بين شعوب المنطقة وإيصالها إلى اللاعودة وإلى ذرى غير مسبوقة...

وإذا كان الحقّ في مقاومة أفعال كهذه أمراً لا يرقى إليه الشكّ، يبقى أنّ «طوفان الأقصى» كانت الشكل الوحيد من المقاومة الذي ينبغي ألاّ يحصل، وألاّ يُهلّل له.

لقد خاضت «حماس» حرباً بدأتها بقتل المدنيّين وخطفهم، وفي حربها زجّت مدنيّي غزّة دون أن توفّر لهم أيّاً من شروط حرب لا يخطىء إلاّ الأبله في افتراض قسوتها الاستئنائيّة. فهي لم تبنِ ملاجىء وتحصينات، وهذا رغم أنّها السلطة الوحيدة هناك منذ 2007، ورغم الحروب الكثيرة التي خيضت قبلاً بينها وبين إسرائيل، بل رغم إعلاناتها المتواصلة عن أنّها ستحرّر الأقصى.

ولم يكن هناك أيّ إعداد اقتصاديّ تفرضه مواجهة بلغت في جذريّة قطعها مع الدول المانحة ما بلغته «طوفان الأقصى». ونعرف أنّ الاتّحاد الأوروبيّ الجهةُ الأساسيّة المانحة لغزّة، كما أنّ أكثر من ثلاثة أرباع العائلات الغزّيّة يتلقّون معونات غذائيّة ونقديّة من المنظّمات الدوليّة.

لكنْ ماذا عن توازنات القوى والتحالفات التي يمكن أن تحمي الحرب وتحصّنها؟

بين الأطراف الدوليّة المؤثّرة، وقف الغرب الأميركيّ والأوروبيّ، ومعه الهند، موقف التماهي شبه المطلق مع إسرائيل. وإذا كانت الأمثلة أكثر من أن تُحصى، من زيارات الوزراء والسياسيّين إلى زيارات حاملات الطائرات، بقي أنّ الاستغراب اللاحق يبدو مفاجئاً إذ يصدر عن لغة سياسيّة ربطت دائماً بين الغرب و«ربيبته» إسرائيل.

في المقابل، غاب الدعم الذي يُتوقَّع من الصين وروسيا اللتين كثيراً ما تشدّقنا بكسرهما الآحاديّة الأميركيّة. فالصين وعدت بالعمل مع مصر على دفع المتحاربين إلى التفاوض، وذكّرت بـ«الظلم التاريخيّ» النازل بالفلسطينيّين. أمّا روسيا فاهتمّ رئيسها فلاديمير بوتين بالبرهنة على فشل السياسات الأميركيّة في العالم، وأكّد أنّه لا بدّ من البحث عن «حلّ وسط». وعموماً تجسّد أقصى تأييد موسكو وبيجين لحرب «حماس» في رفضهما إدانتها.

ماذا عن العالم الإسلاميّ؟ الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان ازداد حكمة بين ليلة وضحاها، فمزج إداناته بالتشديد على «الحياد» و«التعقّل» و«التوسّط»، وسجّل أنّ عدم إدخال الموادّ الأساسيّة إلى غزّة «وصمة عار في جبين مَن أصدر هذا القرار». أمّا باكستان وبنغلاديش وأندونيسيا فلم يُسمع لها صوت.

العالم العربيّ، كما نعلم جيّداً، مقسوم بين بلدان غارقة في انهياراتها الاقتصاديّة ونزاعاتها الأهليّة، وأخرى يصمها الممانعون بـ«الضلوع في مؤامرة التطبيع». أمّا الجامعة العربيّة، وفي صيغة رأتها عادلة وتوفيقيّة، فدانت الحصار وقتل المدنيّين «من الجانبين».

فلسطين نفسها منقسمة سياسيّاً، وحتّى لو أرادت سلطة رام الله دعم «حماس» في غزّة فإنّ يدها ستكون، لألف سبب وسبب، مغلولة.

إلى ذلك، جاء «طوفان الأقصى» فيما تعيش إسرائيل أوسع انقسام عرفته منذ قيامها في 1948. هكذا تولّت العمليّة الحربيّة وقف تحوّل كان يمكن أن يفضي إلى احتمالات يصعب مسبقاً الجزم بها.

لكنّ «طوفان الأقصى» لم تفتقر كلّيّاً إلى الداعمين. ففضلاً عن بشّار الأسد الذي قُصف مطاراه في دمشق وحلب حين كان يتضامن، وعن «فصائل» عراقيّة ويمنيّة أبدت استعدادها للقتال، من موقعها في أوحال نزاعاتها الداخليّة، كانت إيران، وامتدادها في «حزب الله»، مصدر الدعم الجدّيّ الوحيد. بيد أنّ إسهام طهران اقتصر على الضربة الأولى، أي على «طوفان الأقصى» نفسها والتي كانت بالفعل باهرة عسكريّاً وتقنيّاً. لكنْ بعد ذلك، وحين اشتدّت الحاجة إلى «وحدة الساحات»، أصبح جميع أرباب الساحات ينتظرون «الزمان والمكان الملائمين»، ويحلّلون «الظروف الموضوعيّة»، منتظرين «نضوجها» على هذا النحو أو ذاك.

هكذا، وحتّى لو تغافلنا عن سائر الاعتبارات، واقتصر التركيز على المصلحة الذاتيّة حصراً، نبقى أمام سؤال مُلحّ: من الذي يخطّط لضربة كهذه دون أن يأخذ العوامل المذكورة في اعتباره؟ من هو صاحب التخطيط الذي لا يقيم للمدنيّين، الفلسطينيّين قبل الإسرائيليّين، أيّ وزن؟

أغلب الظنّ أنّ عقلين تضافرا لإيصالنا إلى هذه النتيجة: عقل النظام الإيرانيّ الذي يبيع بأهل غزّة ويشتري، وعقل حمساويّ تجتمع فيه خفّة الوعي الأصوليّ وقسوة الوعي التوتاليتاريّ. وبينما رحنا نحتفل على نحو صاخب بعمليّة كان يُستحسن أن نُدينها بعقولنا وضمائرنا وحسّنا بالمسؤوليّة، بل بإملاء من المصلحة الذاتيّة، هبط علينا التوحّش «المتمدّن» لإسرائيل، فكانت حصيلة هذا التلاقي الثلاثيّ إنزال كارثة أكبر من نكبة 48 ونكسة 67 مجتمعتين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة  في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib