كارثة بيروت ما قد يقوله مؤرّخ عادل

كارثة بيروت: ما قد يقوله مؤرّخ عادل!

المغرب اليوم -

كارثة بيروت ما قد يقوله مؤرّخ عادل

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

إذا جاز لواحدنا أن يتقمّص شخصيّة مؤرّخ، ما الذي قد يقوله المؤرّخ هذا عن كارثة بيروت؟
سيحاول أوّلاً، بعد الإضاءة على أبعادها الإنسانيّة والاقتصاديّة، أن يموضعها في سياقها اللبناني المحدّد. سيلاحظ أنّها توّجتْ نهجاً سياسياً واقتصادياً مفلساً على الصعد جميعاً، وأنّها حصلت بعد أشهر قليلة على ثورة ملوّنة حاولت إزاحة الطبقة السياسيّة الفاسدة ولم تنجح في ذلك. سيلاحظ أيضاً أنّ الطبقة المذكورة تجسّدت، في زمن الكارثة، في أسوأ فئاتها وأكثرها تفاهة وأقلّها إنجازيّة، أي الجماعة العونيّة التي وعدت بـ«حكم قويّ» ثمّ انتهت إلى أضعف حكم عرفه البلد خلال مائة عام من عمره.
وفي هامش في أسفل الصفحة سوف يضيف المؤرّخ: صحيحٌ أنّ ميشال عون وصل إلى الرئاسة كممثّل لغالبيّة المسيحيين المحبطين، على عكس الرؤساء الضعفاء الذين سبقوه، لكنّه بدأ ينتهي كواحد منهم؛ لأنّ أكثر المناطق المنكوبة في العاصمة (المرفأ، الجمّيزة، مار مخايل، الأشرفيّة...) مناطق مسيحيّة تحمّله المسؤوليّة عمّا حلّ بها.
سيعلّق المؤرّخ بالتأكيد على بعض الرمزيّات التي رافقت ردود الفعل الشعبيّة. سيَلفتُه خصوصاً توسّع الشتائم التي كادت تقتصر من قبل على جبران باسيل، صهر رئيس الجمهوريّة، لكنّها باتت تطال رئيس الجمهوريّة نفسه. أمّا التجرّؤ الأكبر على المحرّمات فيمثّله الإعدام الافتراضي لأمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في الساحة العامّة: حتّى تلك اللحظة كان التجرّؤ على ذكر نصر الله تجرّؤاً على مقدّس قد يكلّف المتجرّئ حياته. هذا ما انكسر. «السيّد حسن» صار مجرّد «واحد منهم» وإن كان الأخطر بينهم.
سيركّز المؤرّخ على هذا التحوّل الكبير ومعانيه: فحتّى الذين يبرّئون «حزب الله» من المسؤوليّة المباشرة عن الكارثة، لاحظوا، أو لاحظ معظمهم، أنّ انهيار الدولة إنّما أسّسه تخلّيها عن احتكار وظائفها الأمنيّة والحمائيّة، أي أهمّ وظائفها، لصالح ذاك الحزب. مع هذا التقاسم تحديداً بدأت مسيرة التهرّؤ الذي شاهدنا ذروته المأسويّة في مرفأ بيروت. وسوف يضيف، من قبيل التذكير بماضٍ قريب، بأنّ «حزب الله» كان الحامي الأبرز والأفعل، إبّان ثورة تشرين، للسلطة المسؤولة عن الكارثة.
لكنّ مؤرّخنا سوف يتركنا أمام سؤالين معلّقين: من جهة، هل ينجح اللبنانيّون في إنتاج قوّة سياسيّة عابرة للطوائف تنتج بدورها حكماً بديلاً، وتحول تالياً دون نهاية لبنان نفسه كوطن وكدولة. ومن جهة أخرى، هل يفهم اللبنانيّون أنّ أقوى ما يملكونه، حتّى إشعار آخر، هو ما تبقّى لهم من صداقات مع العالم الخارجيّ، صداقات يُستحسن عدم تبديدها بعد اليوم بالمقاومات والانخراط في نزاعات لا قِبل لهم بها. وفي هامش آخر، من صفحة أخرى، سوف يضيف المؤرّخ أنّ الكارثة أظهرت صحّة ما سبق أن قاله، قبل عشرات السنين، سياسي لبناني رأى أنّ «قوّة لبنان في ضعفه».
ويُلاحظ أنّ كتاب التاريخ لم يأت على ذكر رئيس الحكومة حسّان دياب ووزرائه، ولا أشارَ إلى مصير الحكومة واستقالة بعض أفرادها.
إلى هذا، احتلّت الكارثة اللبنانيّة موقعها في سياق إقليمي أيضاً، سياقٍ سمّاه المؤرّخ «حركة التعاقب في مآسي المنطقة»: فهي أتت بعد حادثين كارثيين في الجوار لا يبعثان إلا على تشاؤم عميق: ففي سوريّا، منذ 2011، احترف حاكمها بشّار الأسد، وعلى أوسع نطاق، قتل شعبه وتهجيره. لقد دلّلت تلك التجربة على استرخاص للبشر ترافق مع بقاء الأسد في رئاسة بلاده بعيداً عن كلّ مساءلة.
وفي العراق وسوريّا، منذ 2013 – 2014، ظهرت حركة «داعش» التي استولت على أراضٍ شاسعة في البلدين، وأقامت نظاماً بربريّاً غير مسبوق. لقد تلقّت الحركة هزائم عسكريّة أساسيّة وكبرى، إلا أنّ الأسباب التي ولّدتها لم تُعالَج بعد، فيما بقي أمرها، في حالتي الصعود والهبوط، مجرّد حدث حربي بلا ظلال أبعد.
وهذا، على عمومه، خبر سيّئ قد يحدّ من سوئه النجاح في جمع المساعدات لترميم بعض ما انهار في بيروت، ولتخفيف الألم عن بعض ذوي الضحايا. لكنّه يطرح على لبنان، وعلى المنطقة بالتالي، مسائل لا تزال تنتظر من يفكّر فيها ويعالجها. أمّا الخلاصة التي يقدّمها مؤرّخنا على شكل تساؤل فكانت التالية: «إلى متى سيبقى إنسان هذه المنطقة رخيصاً تقتله أنظمة جائرة وقادة تافهون يستندون إلى القرابات الدمويّة والطائفيّة، ويشغلون مواطنيهم بآيديولوجيّات نزاعيّة كبرى تمعن في استرخاصهم؟».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارثة بيروت ما قد يقوله مؤرّخ عادل كارثة بيروت ما قد يقوله مؤرّخ عادل



GMT 13:16 2025 السبت ,28 حزيران / يونيو

حكومة فى المصيف

GMT 15:46 2025 الجمعة ,20 حزيران / يونيو

ترمب... وحالة الغموض

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

هند صبري.. «مصرية برشا»!

GMT 17:41 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

..وإزالة آثار العدوان الإسرائيلى

GMT 22:58 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سباق التسلح الجديد؟

GMT 17:50 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"أون" تبدأ عرض مسلسل "أبو العلا 90 " لمحمود مرسي

GMT 13:20 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس يبعث برقية عزاء في رئيس تشاد

GMT 07:47 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

بطولة الخريف

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

الكشف عن تفاصيل ألبوم شيرين عبد الوهاب المقبل

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل تهزّ "سوق الجملة" في مدينة تطوان المغربية

GMT 06:41 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الكوكب المراكشي في "قفص الاتِّهام" بسبب مِلفّ السعيدي

GMT 12:37 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بوصوفة يشيد برونارد ويعتبر المدرب الأفضل بإفريقيا

GMT 05:08 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"فورد" تطلق سيارتها الحديثة "موستانغ ماخ إي" الكهربائية

GMT 11:03 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة اسماعيل الحداد لا تدعو إلى القلق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib