المجتمع الدولي في امتحان

المجتمع الدولي في امتحان

المغرب اليوم -

المجتمع الدولي في امتحان

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

كل شيء في الحياة لا يثبت وجوده وصدقيته إلا إذا سجل حضوره في الواقع وتحديداً في اللحظة التي يجب أن يحقق مرئية في الواقع.

لا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع في وسائل الإعلام توظيفاً لما يسمى «المجتمع الدولي» كما أنه يحظى بهيبة، والشائع في السياسة والعلاقات الدوليّة أنه مجتمع له سطوة وسلطة ويعدل الأوتار بين دول العالم، إضافة إلى كونه نظرياً على الأقل هو الضامن للقوانين الدولية والحامي لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية وللقانون الدولي الإنساني.

إذن ما يحدث في غزة من مأساة بأتمّ معنى الكلمة، حيث آلاف القتلى من النساء والأطفال، ناهيك عن الرجال وصولاً إلى تدمير البنية التحتية الصحية، حيث إن حتى مستشفى مرضى السرطان لم يعد قادراً عن الاضطلاع بمهمته مع المرضى الذين يعرف كل العالم كم يحتاجون إلى عناية ومباشرة طبية. أيضاً لا يمكن التغافل عن حوادث صادمة على غرار مستشفى المعمودية.

باختصار آلاف من القتلى والشهداء على مرأى من المجتمع الدولي والعملية تجاوزت الآن الأسابيع الثلاثة، الشيء الذي يجعلنا نتساءل: أين هو المجتمع المدني؟ وماذا فعل المجتمع الدولي للأطفال والنساء والمرضى والمدنيين الذين سفك دمهم وأضحوا أشلاء كأنهم ليسوا ببشر؟

طبعاً المجتمع الدولي في شقه المجتمعاتي الشعبي لم يكن صامتاً، ورأينا مظاهرات التنديد في مدن عدة، وهي مواقف رمزية تعبر عن الرفض والاحتجاج السلمي والاستنكار، ورافضة أن تصبح مشاهد الاستخفاف بأرواح الفلسطينيين والمدنيين متطبعة مع القتل والقهر والتدمير والتهجير والإبادة. في شهر واحد يخسر الشعب الفلسطيني آلافاً من أطفاله ونسائه ورجاله، والمجتمع السياسي الدولي عاجز عن أخذ قرار سريع يوقف هذه الحرب غير العادلة، والالتزام بخريطة طريق لإيجاد حل يحسم نهاية هذه المهزلة التراجيدية التي يعيشها الفلسطينيون، ولن تجعل العالم العربي والإسلامي قادراً على البناء والاستقرار. كما أن هذا الجرح الفلسطيني لم يلتئم بأيدي جراح ماهر وعبقري. وهذا ما يعني أن الحرب على غزة مثلت جملة من الامتحانات المتعددة وأطاحت بأفكار عدّة كنا نعتقد أن العالم لن يتسامح فيها ووجوده دعامة للذود عن المواثيق الدوليّة وذوي الهشاشة.

طبعاً في منطق السياسة التأخر في أخذ القرارات الدولية الأممية يراد من خلاله إعداد الشروط الدنيا للتفاوض بعد الحرب والإنهاك البليغ. ولكن هذا المنطق التقليدي الذي سارت عليه مختلف الحروب والصراعات والتوترات السابقة لم يعد ساري المفعول في الوقت الرّاهن وفي زمن تكنولوجيا التواصل الحديثة. كما أن شدة المأساة الإنسانية أربكت التلقي ولم تسر الأمور كما أرادت إسرائيل وحلفاؤها. بمعنى آخر، إن إدانة الطرف الإسرائيلي هي بالصوت والصورة، وشاهدها كل العالم وانتهاكات إسرائيل وضربها بالقانون الدولي الإنساني عرض الحائط لا أحد يمكنه التستر عليه. فالإعلام وتكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي قاما بتغطية المأساة والأشلاء وجثث الأطفال والنساء والمستشفيات المدمرة بشكل جعل كل وثائق الجريمة وأدواتها على مرأى من العالم.

السؤال: إلى أي حد يمكن الحديث عن مجتمع دولي بالمعنى السياسي من دون أن تكون هناك فعالية تذكر له؟ كيف نفسر مضي إسرائيل قدماً في حرب الإبادة والتهجير وعزل غزة دولياً من دون أن تولي اعتباراً للمجتمع السياسي الدولي وقادته الكبار؟

لقد تلقى ضمير العالم صفعة في الصميم وكم سيكون صعباً بعد قتل الآلاف من أطفال غزة أن نتحدث عن الإنسانية وعن الحقوق وعن الإنسان وعن الحقوق الفردية؟

هل يمكن للعالم أن يحتفل باليوم العالمي لحقوق الطفل يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري ومقابر غزة ضمت في ثلاثة أسابيع فقط آلاف الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة وقرّرت إسرائيل حرمانهم من حقهم في الحياة؟

من ناحية أخرى، نعتقد أن المجتمع الدولي يحتاج إلى القيام بدوره وفرض تطبيق القانون الدولي الإنساني، والتصدي لكل من يمس المواثيق الدولية ويعتدي على حقوق الإنسان. فالمسألة بالنسبة إلى المجتمع السياسي الدولي مسألة وجود ومصداقية وثقة. ذلك أن عدم القيام بالدور المنوط بعهدته سيعني بالنسبة إلى الدول التي تعاني شعوبها من ويلات الاستغلال ككثير من بلدان أفريقية، ومن احتلال كما هو شأن فلسطين ومن تمييز بين دول وأخرى، إلى تنامي ثقافة الشعور بالقهر والظلم، وهو ما يغذي استمرارية الإرهاب والعنف ويقطع أفق السلام والأمن الإنسانيين.

ما يحصل هو الإغراق في الصمت وتربية للشعور بأن البقاء للأقوى. فهل غادر الإنسان طور الغابة وأسس عالمه الإنساني أم ليس بعد؟!

ما يحصل في غزة يعود بنا إلى زمن الغابة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجتمع الدولي في امتحان المجتمع الدولي في امتحان



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا

GMT 13:24 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

''فريد غنام'' يطرح فيديو كليب ''الزين الزين''

GMT 20:55 2022 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جوجل تطمح لتقديم خدماتها بألف لغة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib