أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر

أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر

المغرب اليوم -

أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

هل بات من الممنوعات الخروج عن السرب أو الغالبية التي اختارت السرب؟

طبعاً المشكلة ليست في أن نكون داخل السرب أو خارجه بقدر ما تكمن في مدى ما يلبي انضمامُنا إلى سربٍ ما مصلحتنا وأولوياتنا. لذلك فإن الانشقاق الفكري هو ظاهرة ذات تاريخ، والتاريخ نفسه يتحرك ويقاوم ثبوته بالحراك الفكري وبثورة فكرة على أخرى. ومن يقرأ تاريخ الأفكار يدرك هذه الحركة ووتيرتها وإيقاعها في عالم الأفكار. فكأن العقل البشري كوكب، والأفكار هي الموجودات في هذا الكوكب وتعرف الولادة والمرض والموت... والموجود الوحيد الذي يتميز بالخلود في العالم الرمزي هو الحرية؛ لأنه لولا الحرية لا يمكن لفكرة أن تحل محل أخرى؛ ذلك أن لكل فكرة جيشاً يحميها ويذود عنها كي لا تموت. وكلما تُثبت الفكرة الجديدة وجاهتها وقدرتها على تحسين واقع مَن يعتقد فيها، اقتربت ساعة تدهور الفكرة القديمة.

المشكلة في الوقت الراهن أن القوي يريد لمنهجيته في تحقيق القوة والتقدم أن تصبح مقدّسة، وكل من يكفر بتلك الطريقة المنهجية فإن الأبواب أمامه تصبح موصَدة. وهكذا نفهم الصراع بين القوى الدولية حول الطرق المؤدية للتقدم واكتساب القوة. هو صراع طرق في النهاية بهدف أن لا حل في النهاية إلا طريقة واحدة يجتمع حولها بقية الدول السائرة في طريق النمو.

نعم، يحدث هذا في الوقت الذي تدَّعي فيه الإنسانية الحق في تقرير المصير والحرية والرأي والرأي الآخر وعدم الإقصاء... وكأن الخيارات الاقتصادية والثقافية إنما هي خارج الحق في تقرير المصير!

من المهم أن نفهم أن تحول العالم إلى قالب واحد وطريقة واحدة وفكرة واحدة هو تراجع إلى الوراء في تاريخ العقل البشري، فكما أن القصة الواحدة يمكن أن يتم سردها بشتى الخيارات الجمالية، فإن التقدم والتنمية وخلق الثروة وتحقيق الرخاء والصمود الاقتصادي يمكن معالجتها بطرق عدة، بل إن مصلحة العالم تكمن في التعدد.

وليس صحيحاً أن الإصلاحات هي واحدة، ومن يريد الإصلاح فإن له وصفة دوائية واحدة لا غير، فهل يعلم أصحاب هذا التفكير أنهم بهذا المنطق الأحادي المهيمن كأنهم يشجعون على التداوي الذاتي؟

المفروض أنه حتى في صورة إصابة ألف شخص بزكام حادّ فإن لكل واحد من الألف مصاب وصفة دوائية خاصة به.

إن الطرق ووصفات الإصلاح تظل مرجعيات نظرية يمكن الاستئناس بها لا أكثر ولا أقل، ولكل دولة وشعب الحق في صياغة ما يناسبه من توجهات وإصلاحات مستمدة من خصاصه وواقعه الذي لا يشبه أحداً، وتاريخه وتطلعاته ومشكلاته، وهذا هو الإصلاح الصحيح.

الفكرة المراد طرحها أن لكل بلد الحق في اختيار ما يناسبه من إصلاحات وتوجهات، من دون أن يسفر ذلك عن تضييقات وإقصاءات بالجملة، ما لم تمس تلك الخيارات أمن العالم. بمعنى آخر لا يمكن شطب حق كل دولة في تحديد ما يناسبها، وليس من صالح العالم الانخراط في نوع من تذويب لسيادة الدول على مصائرها.

هناك صيغ فكرية عامة يمكن لكل دولة أن تقتبس منها ما يناسبها، وأن تترك ما يعادي مصلحة شعبها، فليس تحرير الاقتصاد ووضعه في أيادي الخواص هو الحل للجميع، كما يتم التسويق لذلك عبر الآليات الدولية الكبرى والمتحكمة في السوق الدولية المالية والاقتصادية.

ففي الكثير من الدول لا يمكن للدولة أن تنسحب من القطاعات الحساسة، وتسليمها في عهدة القطاع الخاص القائم على الربح أولاً وأخيراً. ولقد رأينا كيف أنه في أزمة الـ«كوفيد» كانت حاجة الشعوب إلى دولها لتأمين التلاقيح وإيوائها في المستشفيات إلى حد أن أزمة الـ«كوفيد» مثّلت ضربة في العمق للتوجه الليبرالي المتوحش.

لا يوجد نمط واحد للتنمية، ولا بروتوكول فريد في نوعه من الإصلاحات الهيكلية، وكل ما هو موجود هو تجارب للاستئناس بها واعتمادها بكل حرية في الاختيار، بعيداً عن منطق الشروط والإملاءات.

إنّ كل مجتمع له خصائصه وتجربته ورأسماله الرمزي والمادي، وحتى عندما تكون الأوجاع هي نفسها في الظاهر هنا وهناك، وفي بلدان عدة فيجب ألا نشكك في أن الوصفات لمعالجة الأوجاع هي بالضرورة متعددة، وليست واحدة كما يقول الظاهر.

هناك أفكار خالدة أشبه ما تكون بالقيم... وهناك أفكار قصيرة العمر تموت لتحل غيرها مكانها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 23:02 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى
المغرب اليوم - حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى

GMT 00:30 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

غضب أوروبي بعد أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا
المغرب اليوم - غضب أوروبي بعد أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا

GMT 01:26 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها
المغرب اليوم - جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها

GMT 13:30 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية
المغرب اليوم - مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية

GMT 14:33 2013 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

تصميمات حديثة وأنيقة لأحواض السمك

GMT 16:53 2023 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

ميرفت أمين ترفض التكريم في مهرجان الجونة السينمائي

GMT 09:59 2023 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 05 يوليو / تموز 2023

GMT 12:05 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

4 دوريات كبرى تَتَسابق لٍضم المغربي عز الدين أوناحي

GMT 15:46 2022 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كل ما تريد معرفته عن لعبة جوجل السرية على آيفون

GMT 04:12 2022 الخميس ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح هامة يجب اتباعها عند تصميم غرف المنزل

GMT 10:28 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كوياطي يبعث رسالة اطمئنان إلى جماهير الرجاء قبل مواجهة آسفي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib