السعودية والرهان على الشعوب

السعودية والرهان على الشعوب

المغرب اليوم -

السعودية والرهان على الشعوب

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

لحظة استثنائية جرت في الرياض أثناء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسعودية، إنها لحظةٌ تؤسس لمستقبلٍ جديدٍ للعلاقاتٍ بين البلدين، وكما صنع الملك عبد العزيز مع الرئيس الأميركي روزفلت في 1945، تصنع القيادة السعودية مع الرئيس الأميركي ترمب في 2025، ولئن أسس عبد العزيز وروزفلت لعلاقاتٍ امتدت لأكثر من ثمانية قرونٍ، فالأمير والرئيس يؤسسان لعلاقاتٍ قد تمتد لمدى أطول زمنياً في المستقبل.

لا يستطيع متابع الأحداث السريعة، والمحرر اليومي، ومفكر «السوشلة»، مهما بلغت قدراته وولاؤه، أن يفهم رهانات السعودية طويلة الأمد على الشعوب، بمعنى الرهان على التاريخ والبشر والمعرفة، فتلك مهمة تحتاج عقوداً لفهمها، ولكن في زيارة ترمب للسعودية ركز ولي العهد السعودي على مصالح السعودية دولة وشعباً دون شكٍ، ولكنه بذل الكثير من الجهد للوقوف بجانب الدول العربية، شعوباً ومجتمعاتٍ وقضايا، فهو قائد التنمية الفذ الذي يقدم نموذجاً مبهراً وغير مسبوقٍ، حتى بالنسبة للرئيس الأميركي ترمب، وقد كتب البعض في أميركا بأن على أميركا أن تستلهم «رؤية 2030 السعودية».

في الحدث السوري شديد التعقيد والتداخل والاضطراب، وعلى مدى عقودٍ من الزمن كان الرهان السعودي الأكبر على «الشعب السوري»، من الملك عبد العزيز إلى الملك سلمان، وقد كانت لحظة مشرقة حين عبّر الأمير محمد عن امتنانه لترمب لرفع العقوبات عن سوريا بحركة عفوية بوضع يديه على صدره، والتقطها «الشعب السوري» وتبنى الصورة حركةً شعبيةً عبر بها عن امتنانه العميق للسعودية وللأمير محمد شخصياً؛ لقد شعر «الشعب السوري» وكأن قضيته هي القضية الأولى لدى الأمير، من شدة حرصه، وهو حدث يستحق أن يصبح أيقونةً للسعودية في سوريا.

لقاء أحمد الشرع مع ترمب كان مستحيلاً، ولكن الأمير محمد جعله ممكناً، واليوم يختلف الحديث، فبينما تتحدث أميركا عن حربٍ أهلية وشيكة في سوريا، فإن السعودية تتحدث عن تقديم معوناتٍ غير مسبوقة لسوريا؛ لأن أميركا تتحدث سياسياً فقط، والسعودية تتحدث سياسياً واقتصادياً وعربياً وإسلامياً وإنسانياً، وهي معادلات قوة رهيبة في المنطقة ربما لا تلمسها أميركا، ولكن السعودية تحسن التعامل معها، لأنها تعرفها جيداً، وتعرف تاريخها القريب في عدة عقودٍ، وتاريخها القديم في قرونٍ متطاولة من الزمن.

الرهان على الشعوب سياسةٌ سعوديةٌ رابحة، وقد راهنت السعودية من قبل عقدٍ ونصفٍ عند أحداث ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» على «الشعب المصري» ومصالحه ومستقبله، ووقفت في وجه القوى العالمية سياسياً واقتصادياً وهي تعرف جيداً معدن الشعب المصري وخياراته، ودعمت خيار الشعب المصري في دعم الدولة المصرية والجيش المصري للقضاء المبرم على «الحكم الأصولي» الجائر والظالم والمنحاز لمحاور إقليمية لا تعنيها مصر دولة وشعباً في شيء، والمنقاد لأجندة اليسار الليبرالي في أميركا والغرب.

في 2018 أصرّ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان على تسمية «قمة الدمام» العربية باسم «قمة القدس»، وهو النهج الذي اتبعه ولي عهده، صاحب «الرؤية» وقائد المسيرة وصانع التاريخ الأمير محمد، وحول ذلك لسياسة جديدة غير معهودة في قضية فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط برمتها، وهو الإصرار السياسي الصارم على أن تحلّ القضية الفلسطينية بما يرضي «الشعب الفلسطيني» وهو «حل الدولتين» الذي طرحته «المبادرة العربية»، التي كانت في الأصل سعودية، ومن قبلها كان «مشروع فهد» في فاس 1982.

من لا يفهم التاريخ لا يستطيع استيعاب الحاضر فضلاً عن استشراف المستقبل، وها هي حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف مع نتنياهو تتخبط في قراراتها وفي تحالفاتها حين وجدت في مواجهتها نهجاً سياسياً واقتصادياً عربياً متماسكاً وغير مسبوقٍ، تقوده السعودية ومعها تحالفٌ خليجي وعربيٌ، يمتلك من المرونة ما يسمح له بالتفاوض مع الأطراف كافة، ومن الحزم ما يجعله ثابتاً في مواقفه عارفاً بالسبل الموصلة إليها، ويمكن لأي قارئ للسياسة أن يكتشف بسهولة أين يمكن أن تتجه صراعات الحاضر في المستقبل القريب.

السعودية اليوم هي من استطاعت بناء «اتفاقية مع إيران» برعاية صينية، وهي من ترعى المفاوضات الشاقة بين أميركا وروسيا وأوكرانيا تجاه الحرب الروسية الأوكرانية التي أوصلت العالم لحافة النهاية، وهي المكان الأفضل لإدارة المفاوضات بين الهند وباكستان في حرب لامست نهاية لعالم، وهي مع هذا وذاك الدولة التي تقود رؤية البناء والتنمية والمستقبل الواعد لكل المنطقة باعتبارها «أوروبا الجديدة» بإدراكٍ عميقٍ لموقعها وقيمتها وتأثيرها، جغرافياً واجتماعياً ودينياً وثقافياً وسياسياً، ولا يعتقد أحد أن هذه الأحداث التاريخية الضخمة يمكن أن تقع عفو الخاطر أو تكون نتيجة الصدفة، فالصدف لا تصنع التاريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية والرهان على الشعوب السعودية والرهان على الشعوب



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib