الصراع على كتابة تاريخ «الصحوة»

الصراع على كتابة تاريخ «الصحوة»

المغرب اليوم -

الصراع على كتابة تاريخ «الصحوة»

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

جماعات الإسلام السياسي شديدةٌ الخطورة منذ إنشائها مع حسن البنا في مصر والعالم العربي، ثم مع أبي الأعلى المودودي في باكستان والهند ومن قبله التمهيد الفكري والديني لها مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وعلاقاتهما المعروفة مع الدول الغربية و«المحافل الماسونية» الأوروبية والمحلية. الصراع على كتابة «تاريخ الصحوة الإسلامية» شرسٌ وكبيرٌ وواسعٌ في هذه المرحلة من تاريخ العالم العربي والإسلامي، وفي كل بلدٍ عربيٍ ثمة صراعاتٌ كبيرةٌ على من له الحق في رواية تاريخ هذه الصحوة «جماعاتٍ» و«تنظيماتٍ» و«مفاهيم» و«مبادئ»، وهي قد اختلطت بتواريخ الدول والحكومات، ولاءً وعداء، تقارباً وتباعداً، وكانت عنصراً فاعلاً في الصراعات السياسية الدولية والإقليمية فضلاً عن المحلية.

جماعة الإخوان المسلمين كانت واعيةً بأهمية كتابة التاريخ، وتعديله وتحويره وتفسيره بما يخدم أهدافها ورؤيتها، وهي ونماذجها المختلفة في الهند وباكستان وإيران سعت دائماً لإعادة كتابة «تاريخ الإسلام» وإعادة كتابة «تاريخ الدول» وإعادة كتابة «تاريخ الجماعة» وبالتالي فهي واعيةٌ تماماً بما تريد وما تطمح إليه، خصوصاً وأنها قد تمكنت من بناء أجيالٍ في مواقع القرار بالدول التي تهمها، بنت عقولها وصنعت تفكيرها وطوّرت مشاعرها حسب ما أرادت هذه الجماعة وما شابهها، فكراً وثقافةً. في عالمنا العربي سعت هذه الجماعة وما زالت تسعى لكتابة «تاريخ مصر» و«تاريخ سوريا» و«تاريخ العراق» و«تاريخ السودان» و«تاريخ اليمن» و«تاريخ ليبيا» و«تاريخ المغرب» و«تاريخ الجزائر» وغيرها كثيرٍ من الدول العربية، ذلك أن كتابة التاريخ تؤدي لصناعة الوعي الحاضر وبالتالي المستقبلي، وهي مهمةٌ لا يمكن أن يقوم بها الأفراد، بل الجماعات والتنظيمات إن لم تقم بها الدول بنفسها. حرصت جماعات الإسلام السياسي على الاستحواذ على «صناعة التاريخ» وأن تتم كتابته حسب رغباتها وتوجهاتها وساعدتها بعض الدول العربية الغنية أن تفعل ذلك عبر «مراكز دراساتٍ غنيةٍ» و«مبتعثون عرب» لأرقى الجامعات و«استثمارات كبرى» في دول الغرب، لتجتمع في النهاية في دعم هذه الجماعات التي لا غاية لها فوق غاية إضعاف الدول العربية والإسلامية وخلق معوقاتٍ داخليةٍ لها عن التوجه للتنمية والاقتصاد الحديث وللمستقبل بكل شروطه ومستحقاته، تترساً بالدين والعقيدة أو بالأخلاق والأعراف أو أي مبدأٍ يعين على تلك الغاية.

سعت هذه الجماعات لصناعة تاريخٍ موازٍ في كثيرٍ من هذه الدول، وبخاصةٍ بعض الدول الغنية التي قدمت لها ملجأً آمناً واستفادت منها في مواجهة «الناصرية» ومكنتها من «التربية والتعليم» ومن «الجمعيات الخيرية» والأهم أنها مكنتها بشكل أو بآخرٍ من «صناعة التاريخ» بحيث أصبحت قادرةً بمؤسسيها وتلاميذها وتابعيها من مواصلة المشوار مهما اختلفت سياسات واستراتيجيات الدول والحكومات. الشواهد لا تحصى على هذه المحاولات المنظمة لتغيير «الأيديولوجيات» وتوجيه «الاستراتيجيات» و«كتابة» التاريخ «بطريقةٍ لا تخدم إلا جماعات «الإسلام السياسي» وأفكارها الرئيسة ويفتح لها الطريق للتأثير والقيادة، ومن هنا خرجت أجيالٌ متخصصةٌ في «التاريخ» و«السياسة» كما في «التعليم» و«العمل الخيري» لا غاية لها إلا خدمة هذا التوجه ورعايته، لأنه توجهٌ دخل العقول مبكراً في «التعليم» وتفشى فيها اجتماعياً لمدى طويلٍ ثم تمكن منها مؤخراً في «المناصب».

النماذج كثيرةٌ، على محاولاتٍ جماعيةٍ وإن خرجت بأسماء أفراد لإعادة «كتابة التاريخ» في عددٍ من الدول العربية، والخليجية منها على وجه التحديد، بحيث يجتمع هؤلاء المؤدلجين لكتابة تاريخ تلك الدولة، ثم يأخذون في استشارة بعضهم البعض، ويعدلون ويتشاورون حتى تصدر الكتب فيروجونها على نطاق واسع. أخيراً، فكتابة التاريخ ليست ترفاً، بل هي ركيزةٌ أساسيةٌ في بناء الحاضر والمستقبل وصناعة الأجيال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع على كتابة تاريخ «الصحوة» الصراع على كتابة تاريخ «الصحوة»



GMT 18:30 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

وادي الكنوز

GMT 18:28 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يومٌ مصريٌ للتاريخ

GMT 18:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتغيّر إيران الآيديولوجيّة آيديولوجيّاً؟

GMT 18:16 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

انكسار «الطائفية» وتجدد «الأصولية»

GMT 18:14 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الغد كان أفضل

GMT 17:58 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ولا يبقى الوضع كما هو عليه!

GMT 17:54 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الميثاق الإعلامي العربي الحلم المستحيل!!

GMT 17:50 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نغمة تنال من المتحف

شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة _ المغرب اليوم

GMT 21:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - إيلون ماسك يطلق ميزة جديدة في غروك لتحليل منشورات منصة إكس

GMT 09:09 2016 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

7 فنانين مصريين أكدوا نظرية "الموهبة ليست لها وقت أو سن"

GMT 01:07 2017 الخميس ,23 شباط / فبراير

خالد عبد الغفار يشدّد على تحسين "البحث العلمي"

GMT 16:42 2020 الخميس ,10 أيلول / سبتمبر

إصابة مدير سباق فرنسا الدولي للدراجات بكورونا

GMT 15:00 2019 الثلاثاء ,16 تموز / يوليو

محمد باعيو يكلف الجيش الملكي 100 ألف دولار

GMT 21:04 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر

GMT 11:17 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

أبرز صيحات موضة 2019 بأسلوب كارلا حداد

GMT 22:17 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

أبرز مواصفات سيارة "Vitara" المعدلة

GMT 09:00 2019 الخميس ,07 آذار/ مارس

أبرز عروض الأزياء بأسبوع الموضة في باريس

GMT 15:37 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

مواجهة حامية بين "يوفنتوس" و"أتالانتا" لخطف بطاقة التأهل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib