الفرح بالعيد دينٌ وفطرةٌ

الفرح بالعيد دينٌ وفطرةٌ

المغرب اليوم -

الفرح بالعيد دينٌ وفطرةٌ

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الفرح بالأعياد جزء من حياة البشر، يروِّحون به عن أنفسهم ويلتئم فيه شملهم أسراً وعوائل، أحياء ومجتمعاتٍ، دولاً وشعوباً.. استمتاعاً بجمال الحياة واستحضاراً للنعم وفرحاً بالخير. وهذا شأن كل المجتمعات والأديان والثقافات الإنسانية منذ القدم، فما امتنع أحدٌ من الفرح والابتهاج بسبب كثرة المصائب والرزايا، فرديةً كانت أم جماعيةً.
لقد فرح الرسول صلى الله عليه وسلم بالعيدين (الفطر والأضحى)، وكان غالب البشر على الكرة الأرضية لا يدينون بالإسلام، ومِن قبله فعل الرسل والأنبياء، كما أرشد الفلاسفة والحكماء من قبل ذلك ومن بعده.. فالحياة لا تستقيم ولا يمكن أن تُبنى وينشأ فيها عمرانٌ اجتماعيٌ وعلمٌ معرفيٌ ما لم تحظ بالتوازن العقلي والنفسي الذي يمنحها القدرةَ على الإبداع والاستمرارية.
في عقودٍ مضت، جرى في الإسلام حدثٌ تاريخيٌ غير مسبوقٍ، حين بدأت جماعات الإسلام السياسي في الظهور بالهند ومصر، وهي جماعاتٌ أرادت اختطاف الدين لخدمة السياسة، فسعت لفرض خطابٍ متطرفٍ متشددٍ على جميع المسلمين. ومن أجل الترويج لذلك الخطاب، بنت أيديولوجية واسعةً لاعتقال عقول الناس وفرض السيطرة عليها، بأساليب شتى وطرائق قددا. وبما أنها تركز على خلق نوعٍ جديدٍ من الإسلام هو «الإسلام المستَفّز»، فقد سعت بقضها وقضيضها لنشر الكراهية والتشدد والكآبة والعنف، في سلسلة طويلةٍ من المفاهيم والأفكار مع الأساليب والطرق التي تسعى لإجبار الكافة على الإحباط والسخط اللذين لا يؤديان إلا إلى العدمية والإرهاب.ولسنواتٍ متطاولة، بات الكتاب والمؤلفون ينافسون الخطباء والمفتين في تحريم الفرح، وفي الحض على الترح، في تحريم السعادة والحض على الكآبة.. فهم يرفضون الفرح الشرعي بالأعياد لأن «الأندلس» لم تعد للمسلمين! وعلى هذا فقس، وهو منطق، وإنْ بدا مثيراً للسخرية في هذا السياق، فقد تحكّم في كثيرٍ من العقول وسيطر على كثيرٍ من المجتمعات، لا لسنواتٍ معدودةٍ، بل لعقودٍ من الزمن.
هل الإسلام يحرِّم الفرحَ بالأعياد وبغيرها؟ الجواب بكل تأكيد هو لا، وقد تقدم تشريع العيدين للمسلمين في سنواتٍ عصيبةٍ في مقتبل نشوء الإسلام. وهل الفرح يقتصر على هذين العيدين أم هو مباح في كل مناسبةٍ شخصيةٍ أو اجتماعيةٍ أو غيرها؟ الجواب أن الفرح مباحٌ في كل الأحوال ولأي مناسبةٍ، وقد احتفل بعض السلف بأعيادٍ كثيرةٍ، منها أعياد الميلاد، كما نقل عبد السلام هارون في كتابه الماتع «كناشة النوادر»، وغيره.
إسرائيل تهاجم غزة وتصنع فيها الفظائع، وهي تضرب سوريا واليمن ومعها أميركا، وهما تهددان بحربٍ إقليميةٍ ضد إيران، في صراعاتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ لن تنتهي ما بقي البشر.. فهل يجب على المسلم في تلك البلاد أو في أقاصي بلاد المسلمين ألا يفرح بالأعياد أو بالمناسبات الشخصية والاجتماعية والحكومية حتى تنتهي هذه الفظائع؟ الجواب هو بكل تأكيدٍ لا، فصراع الخير والشر باقٍ ما بقيت البشرية ولن ينتهي حتى ينتهي البشر، وبالتالي فلكل حالةٍ أحكامٌ تناسبها، والتعميم من أكبر الأخطاء في العلوم كافة، فكيف بالعلوم الشرعية.
ولأسبابٍ متعددةٍ، أصبحت حياة البشر أكثر تعقيداً، وتواصلهم أكثر تشابكاً، بنمط الحياة الحديثة وتطور وسائل الاتصال والتواصل، فلو استحضر شعبٌ آسيويٌ مسلمٌ حدثاً مؤلماً جرى في قارةٍ أخرى وترك العيد لأجل مشاهدته في التلفاز أو في وسائل التواصل الاجتماعي لأصبحت الكآبة عامةً وشاملةً ولا نهائيةً على طول الزمان والمكان، وهذا ما لا يقره دينٌ ولا عقلٌ ولا فطرةٌ سليمةٌ.
وأخيراً، فإن مواسم الفرح والأعياد قررتها الأديان السماوية، وصناعة الرفاه واجبٌ على الدولة الحديثة، وهي قبل هذا وذاك فطرةٌ إلهيةٌ وطبيعةٌ بشريةٌ لا تمكن معاندتها. وكل عامٍ وأنتم بخير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفرح بالعيد دينٌ وفطرةٌ الفرح بالعيد دينٌ وفطرةٌ



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib