المخادعون الذين يهددون المملكة

المخادعون الذين يهددون المملكة

المغرب اليوم -

المخادعون الذين يهددون المملكة

بقلم - نور الدين مفتاح

وأخيرا تدخل الملك في ملف الحسيمة بشكل علني وإن كان بشكل غير مباشر، أي أنه لم يوجه خطابا مباشرا للسكان هناك ولا طلب منهم شيئا، ولكنه أعلن عن موقفه رسميا في اجتماع المجلس الوزاري ليلة عيد الفطر، وكان ملخصه أنه متفهم لمطالب حراك الريف وضد الحكومة التي قرعها تقريعا، وقال إنه مستاء وقلق ومنزعج من عدم تنفيذ المشاريع التي وقعت أمامه في أكتوبر 2015 ، وكان من المفروض أن تضخ في المدينة 650 مليار سنتيم تقريبا. 

وقد طار في يوم العيد الملك إلى جهة الحسيمة ليتابع الموضوع عن كثب، وعلينا أن ننتبه الآن إلى أن المسألة لم تعد محصورة في بؤرة توتر محلية تبحث لها الدولة عن حل، ولكنها أصبحت قضية دولة يتداخل فيها المحلي بالوطني والاقتصادي بالسياسي، والحكومي بالحزبي، وربما تكون هي حلقة من حلقات تشريح وتمليح مشاركة الإسلاميين ومن يواليهم في الحكم في المغرب.

وقد يستفاد من الكلمات القوية للبلاغ الصادر عن اجتماع المجلس الوزاري أن بعض الوزراء هم تلاميذ كسالى تجب معاقبتهم أولا بحرمانهم من العطلة السنوية قبل النظر في نتائج تقرير مفتشيتي كل من وزارة الداخلية ووزارة الخارجية الذي سيرفع لأنظار الملك وقد يعصف بوزراء بعينهم، وقد يزلزل حكومة العثماني برمتها إذا ما أخذت التطورات منحى خطيرا. ولا يخفى أن المؤشر يطل على اللون الأحمر، خصوصا وأنه بعد هذه الإجراءات الصارمة ضد الحكومة من أجل الريف كان الجواب عليها صباح يوم العيد هو مسيرة أكبر عمت مدينة الحسيمة وخلفت اصطدامات قوية بين تدخل أمني عنيف ورواية رسمية تقول إن ملثمين بين المتظاهرين جرحوا ما يناهز الأربعين رجل أمن جروحا متفاوتة الخطورة.  المهم أن خطاب القمة بقي متناقضا مع واقع السفح، حيث إن الحسيمة لاتزال تغلي. 

كل هذا مهم، وسنتابعه كمواطنين غيورين على بلادهم بقلق بالغ على استقرار البلاد وعلى حسن سير مؤسساتها، وعلى مآل الإصلاح وعلى خيارها الديموقراطي وعلى محطات هذه المعركة الحامية بين المفسدين والمتآمرين وبين أولياء الوطن الصالحين، ولكن هناك نقطة هامة في هذا البلاغ التاريخي الصادر عن المجلس الوزاري تستحق التعليق والتنبيه، وهي التي تذكر بتعليمات ملكية تقول إنه: "لا يتم تقديم أمام الملك إلا المشاريع والاتفاقيات التي تستوفي جميع شروط الإنجاز سواء في ما يتعلق بتصفية وضعية العقار، أو توفير التمويل، أو القيام بالدراسات، على أن تعطى الانطلاقة الفعلية للأشغال في أجل معقول". 

ولنا أن نتساءل عن هذه الآلاف المؤلفة من المشاريع التي دشنت من طرف الملك أو وقعت أمامه، فكم منها أنجز؟ وكم منها أصبح أطلالا؟ وكم من اتفاقية وقعت خرجت لحيز الوجود، وكم منها بقيت في الرفوف؟ 

لقد سبق أن أنجزنا ملفا عن بعض المشاريع التي دشنها الملك وأصبحت نسيا منسيا، وجئنا بنماذج كانت هي عين الخديعة من طرف الموكول إليهم تنفيذها، ولكن ليس بالوسائل المحدودة للصحافيين يمكن أن نتحاسب على 17 سنة من مآلات التدشينات والمشاريع الموقعة، إن الأمر يحتاج إلى هيئة رسمية خاصة بهذا الموضوع الخطير، خصوصا أنه يمس مصالح المواطنين واستقرار البلد. إن التحقيق في مشروع الحسيمة منارة المتوسط محمود، وقد فرضه الحراك هناك، ولكن إذا كانت هناك شكوى حول مآلات مشاريع اجتماعية أو اقتصادية، صغيرة أو كبيرة، فلابد من الحصيلة والحساب، وهذا يمكن أن يفتح ورشاً ليس لمطاردة الساحرات كما برر يوما من كان موكولا له محاربة الفساد إبان حكومة التناوب، ولكن لأن هذا الخداع والكذب على أعلى سلطة في البلاد والتحايل من أجل الحظوة وخدمة المصالح الخاصة بتزيين الأعمال الوهمية هي جرائم ضد المغاربة لابد لها من عقاب. 

والمشكل الأعوص أن هذه المشاريع التي توقع أمام الملك منها ما يمس أمورا استراتيجية تدخل ضمن المصلحة العليا للبلاد، ومنها إفريقيا مثلا التي تجاوزت المشاريع التي وقعت فيها أمام الملك الألف! وأغلب هذه التوقيعات تكون بأقلام القطاع الخاص المغربي الذي يكون موجوداً مع الوفد الملكي بشكل وازن. والمشكلة أنه إذا كان هناك مستثمرون خواص لهم روح المسؤولية ليس الاجتماعية في مقاولاتهم فقط ولكن المسؤولية الوطنية أيضا، فإن هناك آخرين عرفوا مع أبناء جلدتهم بجشعهم وعنجهيتهم وحرق مسافات الملايير بسرعة غير طبيعية عن طريق التلاعب والرشاوى والمحسوبية والغش، وهؤلاء ذهبوا أيضا إلى إفريقيا وفتحت لهم الأبناك صنبور التمويلات وأصبحوا يجالسون رؤساء الدول، ولابد أن نعرف حصيلة ما قاموا به وماذا يعملون الآن. إن الآلية التي استعملت اليوم في قضية "الحسيمة منارة المتوسط" يجب إعمالها في كل المشاريع السابقة في المغرب وفي المشاريع الجارية في القارة السمراء، وذلك حتى لا يفاجأ الجميع غدا بأن مصالح الوطن كانت ضحية حسن الظن بمن ليس أهلا له، وكي لا تكون البلاد رهينة في أيدي حزب الخداع والمكر. من حق المغاربة أن يعرفوا مآلات مشاريع يقال إنها وجدت من أجلهم، وللدولة من الوسائل ما يمكنها من قيادة هذه الحملة التطهيرية الحقيقية البعيدة عما سبق أن قام به إدريس البصري لتصفية الحسابات في مجزرة رهيبة لحقوق الإنسان، وهذه الحملة وحدها كفيلة بأن تسد ما لا يعد ولا يحصى من خرج التبذير والتلاعب، وبالتالي أن تقينا شر انفجارات اجتماعية في أركان المملكة الأربعة وربما انهيارات في خطط استراتيجية قد تكون هدايا إلى خصومنا وأعدائنا، وما أكثرهم! فاللهم إنا لا نسألك رد القدر ولكن نسألك اللطف فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المخادعون الذين يهددون المملكة المخادعون الذين يهددون المملكة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:34 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

إسبانيا تحظر دخول سموتريتش وبن غفير إلى أراضيها
المغرب اليوم - إسبانيا تحظر دخول سموتريتش وبن غفير إلى أراضيها

GMT 22:07 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية
المغرب اليوم - سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية

GMT 20:41 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تشعر بالغضب لحصول التباس أو انفعال شديد

GMT 13:22 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

مانشستر يسعى للتعاقد مع فاران في أقرب فرصة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,24 حزيران / يونيو

تعرفي على طرق ترتيب المنازل الصغيره

GMT 03:36 2019 الإثنين ,15 تموز / يوليو

ديكورات شقق طابقية فخمة بأسلوب عصري في 5 خطوات

GMT 14:30 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حسن يوسف يشتري الورود لشمس البارودي في عيد ميلادها

GMT 08:07 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

اكتشفي منتجعات تضمن لك صيفا لا يُنسى

GMT 06:36 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

كاتي هولمز تتألق في فستان رقيق بلون البرقوق

GMT 22:37 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

الهنود يستهلكون كميات أقل بكثير من الكالسيوم

GMT 20:28 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"ماسبيرو زمان" تعيد عرض برنامج جولة الكاميرا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib