«لا علاقة» وبقية «المعلقات»

«لا علاقة» وبقية «المعلقات»!

المغرب اليوم -

«لا علاقة» وبقية «المعلقات»

جمال بودومة

ككل فقراء العالم، يهاجر الباكستانيون والسيريلانكيون والبنغال والهنود إلى دول الخليج بحثا عن حياة أفضل، لكنهم يتلقون معاملة فظة ويشتغلون في ظروف صعبة، أقرب إلى العبودية، بسبب نظام «الكفيل» العنصري واحتياطي الاحتقار الذي لا يقل عن مخزون النفط، ويقدمه الخليجي إلى الآسيوي بسخاء، دون احترام لكرامة الإنسان، إلا من رحم ربك!
هؤلاء البؤساء لا يعرفون العربية، والبلد المضيف لا يبذل أي جهد لتسهيل اندماجهم، كما يحدث في الدول المتحضرة التي توفر للعمال الأجانب حدا أدنى من التكوين، كي يتعلموا لغة البلد وشيئا من ثقافته. ولأن الحاجة أمّ الاختراع، فقد أبدع العمال الآسيويون لغة خاصة لتسهيل تواصلهم في الخليج، تعتمد على عربية مكسرة، ممزوجة ببعض المفردات الإنجليزية والآسيوية، تنطق الحاء هاء والراء لاما والفاء باء، تؤنث المذكر وتذكر المؤنث، وتعيث فسادا في الضمائر المتصلة والمنفصلة والمستترة، نكاية في دول بلا ضمير، حتى بات الخليجيون يدقون ناقوس الخطر خوفا على «عربيتهم»، خصوصا أن أطفالهم يتأثرون بهذه اللغة الهجينة التي تطورت دون علم اليونيسكو، مسخ لغوي ناتج عن تفاعل ثقافي في سياق معقد، يعيش فيه المتحدث وضعا دونيا يجبره على التكلم بلغة «السيد»: «أنا أكلم أنت» يعني أنني «أكلمك»، «أخو أنا» أي «أخي»، و«أنا يروح سيارة» يعني «ذهبت بالسيارة»… إنه انتقام الفقراء من لغة الأغنياء!
وإذا كان العمال الآسيويون أبدعوا هذه اللغة الهجينة مكرهين، فإن بعض الفنانين المغاربة صنعوا الشيء ذاته دون أن يضطرهم أحد إلى ذلك، ودون أن يسافروا بالضرورة إلى السعودية والكويت والإمارات. يكفي أن تدقق في كلمات بعض الأغاني، التي تلقى رواجا كبيرا هذه الأيام، كي تكتشف أن مغنـِّينا اخترعوا لغة جديدة، على غرار الهنود والباكستانيين والبنغال، اعتمادا على اللهجة الخليجية، في سياق يدعو إلى القلق على لهجتنا من بعض المفردات الدخيلة التي كان وجودها يقتصر على الحانات والعلب الليلية، واستباحت اليوم البيوت!

أيام كانت الأغنية أغنية والمقامات محفوظة، كنا نعرف من يغني بالمصري ومن يغني بالمغربي ومن يغني باللبناني… اليوم، أصبح الجميع يرطن بكلمات لا هي مغربية ولا خليجية ولا مصرية ولا لبنانية، تماما مثل العمال الآسيويين في الخليج. جربوا بأنفسكم، خذوا أكثر الأغاني شهرة هذه الأيام، «إنت معلم» مثلا، استمعوا ا إليها جيدا وحاولوا أن تفهموا بأي لهجة يغني سعد لمجرد، حين ينطق «إنت» بكسر الألف، بدل «أنت» بالفتح أو بالتسكين؟ بأي لهجة يتحدث حين يصيح «معلّـيم»، بكسر اللام، بدل «مْعلَّم» بفتحها؟! ابن الحاج البشير، وجيله من المغنين الشباب، يصرون على الغناء بهذه اللغة العجيبة التي ما عاد المغاربة يضطرون إلى الذهاب إلى الشرق والخليج كي يرطنوا بها، بل يصنعون ذلك من الرباط والدار البيضاء، دون أية «مشكلة»، وإنها حقا «مشكلة مشكلة مشكلتيني فحياتي»، كي نظل في «الريبيرتوار»!


وأعترف شخصيا بأنني حائر وأسأل نفسي كل يوم: ترى، من يكتب لهم هذه الكلمات العبقرية؟ في ما مضى كان احمد الطيب لعلج وعلي الحداني وحسن المفتي يغوصون في أعماق لهجتنا كي يلتقطوا أجمل المحارات، اليوم لا نعرف شيئا عن «طبقة فحول الشعراء» الذين يبدعون كل هاته المجازات الفتاكة: «انت باغية واحد تلعبي عليه العشرة»، و«ناري شنو درتي وامشيتي فيها» و«طيّح كواريك طيّح»، و«كدير من الحبة قبة»، و«هادا مسمار وطرقناه»، و«عاتا زاد»، و«لا علاقة»… وغيرها من «معلقات» العصر الحديث. أموت وأعرف من هم هؤلاء الشعراء الرومانسيون الذين «يطيّحون الكواري» و«يطرقون المسامير» و«يلعبون علينا العشرة»… بإيقاعات خليجية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«لا علاقة» وبقية «المعلقات» «لا علاقة» وبقية «المعلقات»



GMT 00:10 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

أزمة النووي الإيراني.. أي مسار سنشهد؟‎

GMT 00:06 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

قمة لا غرب فيها

GMT 00:03 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

وميضٌ عربي في بحر الظلمات

GMT 00:00 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

لبنان وخطر العودة إلى العادات القديمة

GMT 23:58 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

«واقعة» صبي المنبر

GMT 23:56 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

«عيد ميلاد سعيد».. أمل جديد!

الكروشيه يسيطر على صيف 2025 ونانسي عجرم والنجمات يتألقن بأناقة عصرية

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 23:08 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

"ماريما" اختيارك الأفضل لقضاء شهر عسل لن تنساه

GMT 05:49 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

امضي شهر عسل رومانسي ومميز في أفخم فنادق باريس

GMT 17:55 2017 الثلاثاء ,14 آذار/ مارس

افتتاح مصنع لزجاج السيارات في القنيطرة في 2019

GMT 08:37 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

فرصة لقضاء شهر عسل لا يُنسى في كوستاريكا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib