عفوا لم أنتبه

عفوا لم أنتبه..

المغرب اليوم -

عفوا لم أنتبه

بقلم : توفيق بو عشرين

قد تقول لشخص ‘‘عفوا لم أنتبه’’ وأنت تسكب عليه كأس ماء في مطعم، وقد تقول عفوا لم أنتبه وأنت تأخذ مكان شخص في صف طويل أمام مكتب الحالة المدنية في مقاطعة، وقد تقول عفوا لم أنتبه وأنت تصدم مؤخرة سيارة جارك في المرأب.. لكن أن تقول لخمسة شبان: ‘‘عفوا لم أنتبه إلى القانون الواجب التطبيق في حقكم ولهذا أنتم اليوم في السجن’’، فهذا أمر خطير أكبر من أن يكون مجرد «عدم انتباه».

لا أعرف درجة الحزن والأسى التي سيشعر بها خمسة شبان يقبعون في السجن منذ خمسة أشهر، وهم يقرؤون اعتراف وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، في البرلمان بأنه لم ينتبه إلى خطورة البلاغ الذي وقعه مع وزير الداخلية محمد حصاد، وأدى إلى متابعة الشباب بقانون الإرهاب عِوَض قانون الصحافة، بسبب إشادتهم بقتل السفير الروسي في أنقرة… فعوض متابعتهم بقانون الصحافة الجديد، الذي يعاقب بالغرامة على الإشادة بالإرهاب، جرت متابعتهم بالقانون الجنائي الذي ينص على عقوبات حبسية، تصل إلى خمس سنوات، عن الجريمة ذاتها.

الرميد حكى القصة الغريبة التي دارت بينه وبين حصاد في الهاتف، وكيف بادر وزير الداخلية إلى الاتصال بزميله في «العدل والحريات»، وأخبره بخطورة التدوينات التي ظهرت على حائط «فيسبوك» بعد اغتيال السفير الروسي في تركيا، وقال له إن الحاجة ماسة إلى تنبيه المواطنين إلى خطورة هذه الأفعال. ولكي يرسم وزير الداخلية للنيابة العامة الطريق، قام بتكييف الجريمة، وتحديد النص القانوني واجب التطبيق، وتحديد العقوبة. ولأن وزير العدل والحريات هو المخول قانونا لتطبيق السياسة الجنائية، فقد استعار حصاد توقيعه. ورغم أن الرميد انتبه متأخرا إلى أن القانون الواجب التطبيق هو قانون الصحافة، الذي صدر في غشت 2016، وفيه نص يعاقب بغرامات على جريمة الإشادة بالإرهاب بواسطة مقالات أو كتابات أو تصريحات أو صياح، فإن استيقاظ الوزير من غفوته لم يغير شيئا من جبروت الآلة التي انطلقت، وحصدت في طريقها خمسة شبان في مقتبل العمر، وقادتهم إلى السجن. الرميد حاول أن يتدارك الأمر، لكن النيابة العامة سارت على الدرب الذي رسمته الداخلية، وتبعها قاضي التحقيق… وهنا لا بد من إبداء جملة من الملاحظات:

أولا: إصدار الداخلية بلاغات، بالاشتراك مع وزارة العدل والحريات، بدعة لم يعرفها المغرب حتى في سنوات الرصاص، لأن الداخلية لها منطق، ووزارة العدل والحريات لها منطق آخر. الداخلية تشتغل بالسياسة، وتترجم توجهات المطبخ السلطوي في الدولة، في حين يفترض أن تشتغل وزارة العدل والحريات بالقانون ولفائدة دولة الحق والحريات. وقبل حادثة شباب «فيسبوك» الأخيرة، سبق لوزير العدل أن وقع بيانا سيئا جدا مع وزارة الداخلية بخصوص المنتخبين الذين فازوا في الانتخابات الجماعية سنة 2015، حيث صدر بلاغ يدينهم بالفساد الانتخابي بالأسماء قبل عرضهم على النيابة العامة، وجرى التشهير بهم في الإعلام الرسمي، والمساس بقرينة براءتهم قبل أن توجه إليهم أي تهمة.

ثانيا: حادثة «فيسبوك» هذه، والبلاغ الذي صدر بتوقيع الوزيرين، يكشفان أن الداخلية وضعت يدها على اختصاص من اختصاصات وزارة العدل والحريات، وأصبحت تسطر السياسة الجنائية في البلد، في خرق، ولا أوضح منه، للفصل بين السلط، عماد دولة المؤسسات، إذا كيف يعقل أن تسلب وزارة الداخلية من وزارة العدل ومن النيابة العامة ومن قاضي التحقيق سلطة تكييف الجرائم، وصلاحية تحديد النصوص واجبة التطبيق، وكل هذا بمباركة حارس الأختام، يا حسرتاه!

ثالثا: تكشف نازلة الحال إلى أي درجة يتمتع القضاء الواقف والجالس في بلادنا باستقلاليته وهيبته واختصاصه وحرمته، حيث نلاحظ أن النيابة العامة وقاضي التحقيق وقع حافرهما على حافر بلاغ وزارة الداخلية، واتجها معا إلى استعمال قانون الإرهاب عِوَض قانون الصحافة في ملف شباب أخطؤوا، دون شك، عندما أشادوا بجريمة قتل لا يجب أن يشيد بها عاقل، مهما كانت دوافعها، لكن هذه جريمة لها عقوبة في قانون الصحافة الخاص، ولا يجب البحث لها عن تكييف في نص آخر في القانون الجنائي العام، والقاعدة تقول إن النص القانوني الخاص مقدم على النص القانوني العام.

رابعا: السيد وزير العدل والحريات السابق وحكومة بنكيران مسؤولان عن عدم التحرك لإصلاح خطأ وزارة الداخلية، في حكومة من المفروض أن تعزف لحنا واحدا، خاصة على آلة القانون. كان المفروض أن يصحح وزير العدل عدم انتباهه قبل التوقيع مع وزارة الداخلية على البيان المشؤوم في مذكرة يكتبها ويرسلها إلى النيابة العامة، التي كانت آنذاك تحت سلطته، ويعطي الوكيلَ العام للملك تعليماته بخصوص السياسة الجنائية الواجب اتباعها في النازلة، لا أن يرجع إلى الوراء، مغلبا التوافقات السياسية على المبادئ القانونية وحريات الشباب المرميين في السجن، الذين يعتقد آباؤهم وأصدقاؤهم أنهم كانوا ضحايا مسلسل البلوكاج الذي أطاح برأس بنكيران، وليس رصاصات الشرطي التركي التي استقرت في جسد السفير الروسي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عفوا لم أنتبه عفوا لم أنتبه



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 16:36 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

عملية جراحية ناجحة للاعب الفتح أنس العمراني

GMT 08:53 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

إدماج المرأة الجميلة في التنمية!

GMT 14:17 2015 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

نصائح جمالية لصاحبات العيون المبطنة

GMT 08:40 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة السورية سارة نخلة تُشارك في مسلسل"هبة رجل الغراب 4"

GMT 02:49 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

النواصرة يستطيع تصميم أي مجسّم من الأسلاك

GMT 21:50 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الثلاثاء

GMT 00:49 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بن ثاير مدربا جديدا للترجي لكرة اليد

GMT 13:22 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت وأصول التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 18:11 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حادث سير مروع تسفر عن مقتل عشريني في مراكش

GMT 13:03 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر "Rose Synactif Shiseido" يضم مزيجًا مميزًا لعاشقات الورود

GMT 05:07 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

جافي يكشف عن معاناته البدنية وسبب استبداله
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib