نظام يخاف الشعب وشعب يخاف الفوضى

نظام يخاف الشعب وشعب يخاف الفوضى

المغرب اليوم -

نظام يخاف الشعب وشعب يخاف الفوضى

بقلم : توفيق بو عشرين

صديقي مغربي مقيم في كندا منذ سنوات طويلة، تزوج هناك وحصل على الجنسية هناك، وأبناؤه تجري في عروقهم دماء مختلطة، لكن اهتمامه بأحوال بلده لم ينقطع، وأسئلته عن ألغاز السياسة فيه لا تتوقف. كلمني يوم أمس من بلاد الثلوج يسأل عما يجري في المغرب، وقد لاحظ أن عالم الفايسبوك المغربي يكاد ينفجر بالتدوينات الغاضبة من ولادة حكومة العثماني، فجرى هذا الحوار الذي يعكس نوع متابعة شريحة معينة من المغاربة لما يجري في بلدهم.

سألني باستغراب: «لماذا أقيل بنكيران من منصبه مع أنه فاز في الانتخابات الأخيرة، ومازالت شعبيته كبيرة، والبلاد محتاجة إلى رموز مثله لإنجاح إصلاحات صعبة تحتاج إليها البلاد؟».

قلت له: «بنكيران صرف من الخدمة بسبب ما تقوله، وليس لسبب آخر. حياتنا السياسية لا تحتمل وجود زعماء ورموز، ومنذ 18 سنة لم يحصل أي وزير أول أو أي رئيس حكومة على ولاية ثانية، سواء نجح أم أخفق. هناك دستور غير مكتوب يخصص ولاية واحدة لكل رئيس حكومة، حتى ولو فاز في الانتخابات. جرى هذا مع اليوسفي، حين صرف من الخدمة سنة 2002 رغم أنه حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات، وجرى الآن مع بنكيران الذي استبدل برئيس حكومة من حزبه لأن الدستور الجديد قيد اختيار الملك لرئيس الحكومة».

رجع الصديق للسؤال مرة أخرى: «لكن، لماذا قبل حزب العدالة والتنمية بهذا القرار؟ كان باستطاعته أن يعتذر إلى الملك بلباقة، ويقول: ‘‘أنا غير معني برئاسة الحكومة إذا كانت ستخرج من يد الزعيم إلى شخص آخر’’. ألم يقتربوا من موقف مثل هذا سنة 2011 عندنا بدأت تتردد أخبار عن احتمال تعيين شخص آخر غير بنكيران في رئاسة الحكومة؟».

«بلا، ما تقوله صحيح. لقد أصدرت الأمانة العامة للمصباح سنة 2011، مباشرة بعد ظهور نتائج الاقتراع، بلاغا تقول فيه إنها ستجمع المجلس الوطني (برلمان الحزب) في حال وقع اختيار الملك على شخص غير الأمين العام للحزب لقيادة الحكومة، وفهم الجميع الرسالة، لكن، هذه المرة الأمور اختلفت. جزء من نخب حزب العدالة والتنمية غلب مصلحة الحزب على مصلحة الوطن، وغلب سلامة الأفراد على سلامة التجربة الديمقراطية. لقد كان باستطاعتهم أن ينزلوا إلى المعارضة، وأن يقوموا بعمل جريء ومهم يخدم المسار الديمقراطي، لكن بعضهم ذاق نعيم الكرسي ولم يعد قادرا على فراقه، وبعضهم ركبه الخوف، وأصبح يتصور أن السياسة لا تُمارس إلا بعقد تأمين من كل المخاطر Assurance tous risques.

رجع صديقي المغربي الكندي للسؤال: «وكيف قبل العثماني على نفسه هذا الدور؟»، قلت: «لا أدري ما هو تفسير الطبيب النفسي لهذا الأمر. هو إلى الآن يتجنب وسائل الإعلام، ويتجنب مواجهة زملائه في الحزب عن السبب وراء إذعانه لشروط أخنوش ومن يقف خلف أخنوش، لكنه سيجد مع وزرائه عشرات المبررات لتفسير رئاسته أغلبية ممنوحة ومفصولة عن نتائج الاقتراع، وجاءت لتلعب دورا واحدا هو التوقيع الرسمي على إغلاق القوس الذي فتح قبل خمس سنوات. لن يعدموا المبررات، فهناك ذلك المبرر المضحك الذي اخترعه الاتحاديون لدخول حكومة جطو، وأقصد ‘‘استكمال الأوراش المفتوحة’’، وهناك مبررات أخرى مثل ‘‘المهم هو المشاركة’’، ومادامت رئاسة الحكومة في ضيافة المصباح فكل شيء يهون، فمن الأفضل أن يبقى الحزب جالسا عند باب الحكم عِوَض أن يتيه في صحراء المعارضة. ففي النهاية، أصوات الشعب في ثقافة نخب «المشاركة غير المشروطة»، من اليمين واليسار، للاستئناس فقط، أما المعول عليه عندما يجد الجد فهو سند السلطة!

رجع صديقي يسأل: «وما هي انعكاسات كل هذا على وحدة حزب المصباح؟». أجبت: «اليوم طنجرة الحزب تغلي، وجل قاعدة المصباح يشعر بالإهانة، وبنكيران أعلن أنه لن يستسلم لقدر السلطة، وأنه خسر جولة ومازالت أمامه معركة، وهو قدم استقالته من البرلمان لأنه لا يرى نفسه في مقعد صغير في برلمان لا يقدم ولا يؤخر إلا نادرا… بنكيران باستقالته يريد أن يتصرف كزعيم سياسي وليس كنائب برلماني. الحزب اليوم يدير وضعا صعبا ومعقدا للغاية، حيث زعيمه شبه معارض، ورئيس الحكومة المحسوب عليه مدان بتهمة ‘‘الانبطاح’’، فكيف سيسير سويا حزب هذا وضعه؟».

توقف صديقي عن طرح الأسئلة، ومر إلى وضع خلاصة لهذا المشهد السياسي، فقال: «يا صديقي، كلما تقدم المغرب خطوة إلى الأمام رجع خطوتين إلى الوراء. إن نظامه خائف من الشعب، والشعب خائف من الفوضى، وكلاهما يعرف حقيقة الآخر، لكن ما لا يعرفه الاثنان أن العصر قطار سريع لا ينتظر أحدا».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظام يخاف الشعب وشعب يخاف الفوضى نظام يخاف الشعب وشعب يخاف الفوضى



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا

GMT 13:24 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

''فريد غنام'' يطرح فيديو كليب ''الزين الزين''

GMT 20:55 2022 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جوجل تطمح لتقديم خدماتها بألف لغة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib