السياسات القومية الضيقة تعود إلى أوروبا

السياسات القومية الضيقة تعود إلى أوروبا

المغرب اليوم -

السياسات القومية الضيقة تعود إلى أوروبا

بقلم - ادريس الكنبوري

الموجة الشعبوية التي اجتاحت إيطاليا وألمانيا وإسبانيا في الثلاثينات من القرن الماضي قدمت نماذج حيّة لهذا الطراز من السياسات القومية الضيقة التي تنتهي بكراهية الآخر وشن حرب عليه بدعوى المصلحة العليا.

أصوات التطرف تتصاعد في كل الاتجاهات
كانت نتائج الانتخابات الإيطالية الأخيرة كافية لتهز الاتحاد الأوروبي في بروكسل والعواصم الأوروبية المشكلة له، وتشيع حالة من الخوف من اجتياح اليمين المتطرف للمشهد السياسي في القارة العجوز. فلأول مرة تشهد الخارطة السياسية في إيطاليا تحولا جذريا غير مسبوق، تمثل في اختراق تيار اليمين المتطرف للمشهد السياسي على حساب اليمين التقليدي ويمين الوسط واليسار.

تأتي تلك النتائج لتعزز مسلسلا من التصدّعات الكبرى التي بدأت تنخر ميثاق التعايش الديمقراطي في أوروبا في الأعوام الأخيرة. فعشر سنوات من الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت البلدان الأوروبية أحدثت ارتجاجا سياسيا هائلا في عموم القارة، ودفعت الناخبين الأوروبيين إلى الركض نحو صناديق الاقتراع الزجاجية لمنح أصواتهم إلى وجوه جديدة دخلت المجال السياسي مسلّحة بخطاب مختلف عن خطاب رموز السياسة التقليدية، خطاب يرتكز بالأساس على انتقاد الطبقة السياسية التقليدية والنخب ويهاجم الأساليب القديمة في فهم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وفي اقتراح الحلول لها.

يرد اليمين المتطرف كل المشكلات إلى عوامل خارجية في الأعم، وهو لا يبحث عن الأسباب في أسلوب التدبير السياسي والاقتصادي بل يلخصها كلها في المهاجرين أو في الاندماج الأوروبي، لذلك ليس غريبا أن تكون على رأس جدول أعماله الدعوة إلى طرد المهاجرين وإغلاق الأبواب أمام الأجانب، والخروج من الاتحاد الأوروبي واعتبار المؤسسات التابعة له أدوات استعمارية الهدف منها النيل من القيم الوطنية، والنظر إلى المساهمات التي تقدمها الدول الأوروبية لفائدة الاتحاد بمثابة “خراج” تدفعه الدولة من الميزانية الوطنية لتمويل بلدان أخرى.

خلال السنوات الماضية، نجحت بعض أحزاب اليمين المتطرف في عدد من البلدان الأوروبية في الوصول إلى الحكم أو الحصول على مكاسب انتخابية غير متوقعة في المجالس التشريعية، في سابقة تاريخية من نوعها منذ الثلاثينات من القرن الماضي.

فاليمين المتطرف اليوم يوجد في السلطة في كل من بولونيا وهنغاريا والنمسا وجمهورية التشيك وبلغاريا، وفي ألمانيا يتوفر حزب “البديل من أجل ألمانيا” على 92 مقعدا في البرلمان.

 وفي فرنسا تسعى مارين لوبين، زعيمة حزب الجبهة الوطنية المتطرف، إلى إعادة بناء حزبها مجددا، بعد إجراء نقد ذاتي للتجربة في ضوء هزيمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي منحت الفوز لإيمانويل ماكرون.

وعقد الحزب مؤتمره بمدينة ليل الفرنسية بهدف تجديد هياكله وضخ دماء جديدة فيه، وتقترح لوبين تغيـير اسم الحزب من الجبهة الوطنية إلى “التجمع الوطني” للتخلص من التركة السلبية لهذا الاسم لدى الناخب الفرنسي، وهو الأمر الذي سيبث فيه الحزب خلال بضعة أسابيع، وإن كـان المراقبون يرون أن تغيير الاسم ربما يدفع الموالين التقليديين لـه إلى الابتعاد عنه بسبب التشكيك في تغيير قناعاته، ولذلـك هناك تخوف داخله مـن تلك المغامرة، بـعد أكثر من أربعين عاما من المسار السياسـي.

لكن النزعة الشعبوية ليست قاصرة فقط على البلدان الأوروبية، فإذا كان الشعار الرئيسي للنزعة الشعبوية هو “نحن الممثلون الحقيقيون للشعب” أو “نحن الشعب”، فيمكن إيجاد أكثر من مثال في أكثر من بلد.

وليس ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وما ينطق به مغايرا لهذه النزعة الشعبوية التي يمكن أن تأخذ أكثر من لون في أكثر من مكان، لكنها تحافظ على نفس الهوية، وهي دغدغة المشاعر الوطنية والقومية بدعوى النزول إلى الناس.

وقد قدمت الموجة الشعبوية التي اجتاحت إيطاليا وألمانيا وإسبانيا في الثلاثينات من القرن الماضي نماذج حيّة لهذا الطراز من السياسات القومية الضيقة التي تنتهي بكراهية الآخر وشن حرب عليه بدعوى المصلحة العليا، وهذا الطراز يمكن أن يتكرر اليوم بصورة أشد خطورة، بسبب وجود ما يقابلها من جنسها وبسبب انتشار مختلف أشكال التطرف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسات القومية الضيقة تعود إلى أوروبا السياسات القومية الضيقة تعود إلى أوروبا



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 17:50 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"أون" تبدأ عرض مسلسل "أبو العلا 90 " لمحمود مرسي

GMT 13:20 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس يبعث برقية عزاء في رئيس تشاد

GMT 07:47 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

بطولة الخريف

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

الكشف عن تفاصيل ألبوم شيرين عبد الوهاب المقبل

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل تهزّ "سوق الجملة" في مدينة تطوان المغربية

GMT 06:41 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الكوكب المراكشي في "قفص الاتِّهام" بسبب مِلفّ السعيدي

GMT 12:37 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بوصوفة يشيد برونارد ويعتبر المدرب الأفضل بإفريقيا

GMT 05:08 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"فورد" تطلق سيارتها الحديثة "موستانغ ماخ إي" الكهربائية

GMT 11:03 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة اسماعيل الحداد لا تدعو إلى القلق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib