أداة رخيصة للعرض

أداة رخيصة للعرض!

المغرب اليوم -

أداة رخيصة للعرض

الدكتورة مارغو حداد أكاديمية في الجامعة الاميركية*
الرباط ـ المغرب اليوم

ظاهرة الفاشينيستات أو الفاشينيستا أو فاشنيستو  التي تُطلق على الرجل، وتَعني أنه شخص بلا وظيفة ومهنة محددة، هو فقط يتَّبِع أسلوبَ حياة من منظوره الشخصى، وحسب ذوقة، ليكون مميزا بمظهره، عصر (ما بعد الحقيقة ) post-Truth Era لا قيمة للحقيقة طالما بالإمكان تجاهلها وتدنيسها والخلط بين الحقائق العلمية والمؤامرة ومخاطبة العواطف وزخم المعلومات التي يتلقاها البشر، كل هذا يؤدي إلى ما يمكن وصفه “شلل العقل” وإبقاء النقاشات في دائرة الجدل والسخرية.

 إن محاكاة الشباب لهؤلاء من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي سواء في الملابس أو عمليات التجميل ومنتجات تجميلية واستعراض ثرواتهم أومنتجات طبية إباحية …إلخ ظاهرة تستحق الدراسة وأرى أنها من مظاهر المجتمع الاستهلاكي، حيث أصبحت تلعب دورا يتزايد يوما بعد يوم في حياتنا اليومية، وتُقدِّم للشباب والأطفال والكبار عروضا مذهلة تُغرق المتابعين بإعلاناتهم التي تثقل كواهل الأسر، وتحوِّل منصات التواصل الإجتماعي لمواقع استعراض وحروب وإظهار حياتهم بأنها الحياة المثالية وتدمجهم في مجتمع الاستهلاك بشكل يؤثر في تفكيرهم  وسلوكهم.

أما المرأة الفاشينيستا فهي في الغالب أداة غواية لا أكثر. وهذا ما تستغله بعض الشركات الآن من خلال الفاشينيستا لاستخدامها وسيلة ترويجية رخيصة.

 باتت تدخل البيوت من دون رقيب.

وعليه، يجب التفكير في  “الفاشينيستات” أن يطرح جديا في مؤتمرات وندوات دُولية، لدراسة هذه الظاهرة . ففي عصر الثورة الصناعية الرابعة يصبح الجسد جزءا من ثقافة هذا العصر، ويصبح الجسد جزءا من ثقافة الصورة. وأخطر ما جاء في ثقافة الصورة في هذا العصر هو سيادة ثقافة الجسد في العالم كله، وتداوله بوصفه سلعة استهلاكية . كل إنسان يُقدِّر قيمة العقل والثقافة والإنسانية لن يحلم بدور يصبح فيه مجرد أداة للعرض . يقول آلان دونو : يمكن تدنيس العقل البشري بمجرد الاهتمام الدائم بأشياء تافهة .

وربما يكشف عن انقسام ثقافي متزايد بين هؤلاء الذين ينتسبون إلى أساليب الحياة والقيم الاستهلاكية الغربية، وبين هؤلاء الذين ينتمون إلى المعتقدات والقيم التقليدية. وربما يعكس هذا التضاد في الفوارق بين الطبقات الاجتماعية تماما مثلما هو حال الصراع بين المجتمعات الحضرية والريفية الذي لا يزال حاضرا في دول العالم الثالث.

إن أهم شيء في ظاهرة الفاشينيستات أصبح يتمحور حول إبراز مكونات الجسد الأنثوي بحيث لم تعد المنتجات ترتبط بمنطقة الكلمة والعقل أو المشاعر بل بمناطق الإغواء كأداة للترويج لبضائعهم، حيث مهد الطريق للقول بأن رسالة ما بعد الحداثة تكمن في أن الصورة قد أصبحت الآن سلعة تُنتَج آليا، وجزءا من منظومة السلع والاتصالات الكلية. وتكاثرت الفاشينيستات بشكل فطري أو سرطاني،وعبر بعض الشركات من خلال رؤوس أموال تريليونية عابرة بنفوذها للقارات، أصبح هناك مجال شاسع لتوظيف الفاشينيستات، والاعتماد على الجسد  فقط، فأصبحت الصورة مليئة بالمشاهد الغريزية البعيدة عن الفن الراقي الخلاق. وأعتقد أنها وجه جديد لغزو ثقافي أسهمت في تعميقه بعض شركات الإنتاج والمؤسسات الإعلامية العربية وطفت على السطح ظاهرة ما بات يُعرَف بـ”فاشونيستا الأطفال”فيما حذّرت دراسات أخرى من أن حسابات الأطفال والمراهقين على وسائل التواصل الاجتماعي تعرّضهم لـ”التنمر”.

وتحذر الخبيرة التربوية والاجتماعية “حكمت بسيسو” في تصريحاتها لـTRT عربي من “تبدُّل الأدوار بأن يصبح الطفل وسيلة لجلب المال لا العكس، فهو باب لاستغلال الأطفال، وعمالة مقنَّنة، وإجبار الأطفال على أوضاع مرهقة بتصوير ومكياج وكوافير في سنّ مبكّرة، ويضيعون بهذا أجمل سني حياتهم”.وتَعتبر بسيسو أن هذا العالَم يغذِّي عقل الطفل بنزعة الغرور والتباهي ويقتل لديهم نزعات أخرى مثل البساطة والقناعة واحترام الذات، وتقول: “الطفل يشعر كأنه موظف في سنّ مبكرة بكل سهولة، يمتلك عددا لا يُستهان به من المتابعين، ويطرح أفكارا وموضوعات غير متخصص بها، ويقول لنفسه “لِمَ التعليم؟”، فيفكّر في ترك التعليم والتخصُّص.

في المجمل هذا الأمر يؤثّر مستقبلاً في التحصيل العلمي”، وطالبت بسيسو بسَنّ قوانين تمنع ما قالت إنه “استغلال سلبي من الأهالي لأطفالهم”.

وفي دراسة بريطانية حديثة صادرة عن جامعة “إسيكس” يقول أستاذ العلوم العصبية في جامعة مشيغان الأمريكيَّة: “يظهر الناس في مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على الاعتراف بهم اجتماعيّا. كل إعجاب وكل تعليق إيجابي على منشور في مواقع التواصل الاجتماعي ينشّط نظام المكافأة في الدماغ. هذه المناطق في الدماغ هي نفسها التي تَنشط عند الأكل أو ممارسة الجنس أو عند تعاطي المخدرات”.

فالقنوات الاتصالية التي خلقتها “لفاشينيستات”لخدمة أهدافها، قد ارتكزت على أمور عدة في مقدمتها التراكم Accumulation   والاستهلاك Consumption  لغرض إدارة رغبات الناس واحتياجاتهم، ما يساعد في حل المشكلات التي تواجه الأنظمة الرأسمالية. ولقد نجح الفكر الرأسمالي من خلال تسريع وتوسيع الاستهلاك في احتواء فكر الإنسان ووعيه وتوظيف القنوات الاتصالية والاستفادة منها في انتاج مستهلكين جدد من خلال تصنيع رسائل موحدة ومنمطة كل شيء فيها قابل للبيع، وقد ساعد في ذلك تطور الثورة المعلوماتية.لأن تلك الصور تنطبع في ذهن المراهق وذاكرته حتى يألفَها وتصبح لديه شيئا عاديًّا، والخطورة تظهر عندما يفقد المراهق هذه الصور ويتذكرها بعد ذلك ويريد أن يُشبع غرائزه بأية طريقة، فلا يجد أمامه سوى الانحراف . إن التأثير المتنامي لهؤلاء الفاشينيستا يؤثر  في نماذج حضارية وقيمية معينة، ويعمل على إغفال نماذج أخرى، وإظهار تأثيرات ثقافية وذهنية معينة مع خلق حالة من الترويج والانتشار، كما تعمل على منافسة الأسرة في عقر دارها والتأثير الخاص في الأطفال، فالأجهزة الإعلامية والاتصالية ليست مجرد ناقلة للمعلومة والمعرفة، وإنما هي ذات قدرة كبيرة على نشر الثقافات وترويج أنماط حياتية معينة وغرس منظومات معينة خصوصا ان بعضهم قد يعزز مفاهيم دينية واجتماعية تضر الشخص نفسه.

وعليه؛ فقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور الذهنية”Images” التي تسهم في خلق ثقافة جديدة تعتمد في مجملها على الحسيات وتهمل الثقافة. والقيم في الكثير من الأحيان فيها ظلم حقيقي للمجتمع الذي يقع فريسة لهذه الصور وينزلق في مجال تقليدها من دون إدراك أو وعي حقيقي، فهناك مظاهر “للحداثة” تُصنع حيث تتحول التقاليد إلى شكل من الاستقرار برغم الحركة الظاهرة والتعبيرات أو صور التغيير التي تبرز، وبذلك تبدو الصور الحداثية مجرد انعكاس متجدد أو حديث لنفس المعتقدات القديمة. وهنا تكمن الخطورة .

*      أكاديمية في الجامعة الأميركية

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أداة رخيصة للعرض أداة رخيصة للعرض



GMT 09:36 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

فستان المرأة هاجس الإعلام

درّة تتألق بالأحمر بإطلالات خريفية تمزج بين الفخامة والأنوثة

تونس - المغرب اليوم

GMT 02:44 2025 الجمعة ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الحوثيون يراقبون مدى التزام إسرائيل باتفاق غزة
المغرب اليوم - الحوثيون يراقبون مدى التزام إسرائيل باتفاق غزة

GMT 03:10 2013 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

ترجمة رواية "الخيميائي" للكاتب "باولو كويلو"

GMT 12:37 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

الكشف عن العلاقة بين العطر ولون الشعر الأبيض

GMT 21:38 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

التكناوتي أفضل لاعب في الوداد لشهر شباط

GMT 11:10 2019 الأربعاء ,20 شباط / فبراير

وفاة شخص إثر حادثة سير مروعة في وجدة

GMT 06:34 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية

GMT 05:44 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

دليلك لقضاء عطلة مميزة في مدينة سان فرانسيسكو

GMT 08:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"شميشة" تستثمر في الإمارات وتدشن مطعمًا راقيًا في دبي

GMT 23:40 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

توقيف قاصر 14 سنة بتهمة اغتصاب أرملة عمه في مراكش

GMT 10:29 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

جيلي تقدم سيارتها "Imperial" في معرض أوتوماك فورميلا

GMT 11:46 2018 الأحد ,02 أيلول / سبتمبر

تعرفي على طريقة علاج إلتهاب فروة الرأس

GMT 03:06 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

عطر "ليزا" يحتفل بمرورعام على إطلاقه

GMT 13:34 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مدينة فيرونا الإيطالية الأفضل لشهر عسل رومانسي

GMT 06:14 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ميس النوباني تحتفل مع والدها عبر "فيسبوك" بعام 2018

GMT 16:37 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

​المغرب يحظى بتنظيم البطولة الأفريقية للكانوي كياك

GMT 01:32 2015 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

الأهلى يقترب من ضم مهاجم مصر المقاصة وائل فراج

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

الضرب في المدارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib