وجع الأخضر

وجع الأخضر

المغرب اليوم -

وجع الأخضر

بقلم: بدر الدين الإدريسي

قدر للرجاء أن يفقد في عز الإحتفال بلقب الكونفدرالية الإفريقية، رجلين من أوفى وأصدق وأخلص ما مر على هذا الصرح الرياضي الوطني والعالمي من قامات رياضية وتسييرية، ما زال صدى فكرها يتردد إلى الآن في رحاب كرة القدم الوطنية.

وكيف لا يكون الرجاء اليوم حزينا وقد فقد نسرين لامعين في أقل من ثلاثة أسابيع، فقد غيب الموت من وصفناه على الدوام بالمسير المرجعي وبالعقل المتوثب، المشمول برحمة الله عبد اللطيف العسكي، ثم عاد الموت فغيب من يوصف بأنه النسر الذي حمى قوافل الرجاء في سفرها في البراري، المشمول برحمة الله رشيد البوصيري، ومع ما يتسع له صدر المؤمن بقضاء الله وقدره، ليتقبل الغياب الأبدي لوجوه ألفها وأحبها واستأنس بوجودها، إلا أن الرجاويين بخاصة لا يستطيعون تحمل هذه المنايا مجتمعة، في وقت يبصرون طريق الأمل والخلاص، بعد أن ساروا لسنوات متوجسين وملتاعين في محيطات الألم والخوف والتصدع.

وأتقاسم مع كل الرجاويين مصابهم الجلل، لأنني عاشرت الرجلين، وتعمقت كثيرا في سبر أغوار فكرهما، ومع الإختلاف الكلي في السمات الفكرية والمكونات الرياضية لكل منهما وأيضا للسياقات الزمنية التي جاؤوا فيها لمعترك العمل الرياضي، إلا أن ما يلتقي فيه المرحومان بإذن الله تعالى، عبد اللطيف العسكي ورشيد البوصيري، أكبر بكثير مما يفترقان فيه، فما يجمعهما حب صوفي للرجاء وعشق يصل لحد الجنون والهوس بكرة القدم وبراعة في التعبير عن قوة الشخصية في معترك العمل الرياضي.

وعلى كثرة الأزمنة التي عاشرت فيها الرجلين معا، بكل التعبيرات التي ترمز للإحترام الكبير الذي هومن أصول التربية داخل الرجاء، إلا أنني شخصيا لا يمكن أن أنسى اجتماعنا الجميل والتاريخي بالبرازيل، حيث سينال الرجاء سنة 2000 لقب العالمي، بمشاركته في أول نسخة لكأس العالم للأندية، وقتها كان المرحوم عبد اللطيف العسكي مصطفا في صف الحكماء يدير مع رفقاء الدرب الحضور الأول لفريق مغربي في مونديال الأندية، فيما كان المرحوم رشيد البوصيري في صلب المشهد التسييري يقوم بالأدوار الصعبة التي تحتاج في الغالب لكثير من الكاريزمية والأريحية وصلابة العود، ومع ما كان رشيد يبديه في الغالب من خفة روح وحتى من اندفاع قوي في تأطير مناخ العمل والمحيط القريب للاعبين، إلا أنه كان يمثل لمنظومة العمل طرفا أساسيا واستراتيجيا، لا يتوقف العمل عند تهيئة الظروف اللامرئية والتي يكون لها تأثير كبير على نفسية اللاعبين، ولكن يتعداه إلى الشحن الإيجابي النابع من سلطة الحب والعشق للرجاء، والذي خضع له رشيد طواعية طوال حياته وما أبدى حيال ذلك تبرما.

وكما أن فكر عبد اللطيف العسكي يحضر بقوة في الزمن الرجاوي الممتد على مدى ثلاثة عقود، والتي كانت بقوة ما تحقق من ألقاب ومن تتويجات، من أجمل وأبدع ما عرفه تاريخ النسور الخضر، فإن رشيد البوصيري سيكون صاحب بصمة قوية في الإنبعاث الأخضر، عندما ساهم في تأطير وقيادة مرحلة جديدة في تاريخ الرجاء توجت بوصافة أندية العالم.

وإذا كنت شخصيا لا أستطيع ذكر وسرد إلا ما راقني في الرجلين، وما أعتبره بالفعل ملهما لكل الأجيال الحالية والتالية التي تلقى عليها مسؤولية المحافظة على صرح وعالمية الرجاء، بالنظر إلى أن حماية الرجاء من غدر الزمان ومن غدر الحاسدين ومن غدر ذوى القربى أيضا، يبيح بعض الهيجانات والشراسات التي يراد بها الدفاع عما بدا للمرحومين أنه كيان مقدس وأعنى به الرجاء، فإنني أرى في المرحومين عبد اللطيف العسكي ورشيد البوصيري برغم الإختلاف الكبير في سمات الفكر والشخصية، التعبير الكبير عن الذي نقصده بتسمية الرجاء وما عداه من أندية رياضية مرجعية، بالمؤسسة الرياضية، فالرجاء البيضاوي ليس في النهاية فريقا يتنافس محليا وإفريقيا على الألقاب وحسب، وليس ناديا يتسابق مع العشرات حول العالم لاكتساب صفة العالمية والشيوع فقط، ولكنه أيضا مؤسسة تصدر القيم الرياضية الرفيعة وتسهم في تنشئة حملة الفكر الرياضي وتخريج العشرات من المسيرين المتمكنين والمتشبعين بفلسفة التدبير لإثراء حقل التسيير الرياضي.

وأبدا لم يكن من السهل واليسير على المرحومين عبد اللطيف العسكي ورشيد البوصيري، أن يجدا بشهادة التاريخ مكانا لهما وسط الرجالات الذين خرجوا من خيمة الرجاء ليطبعوا بفكرهم وحذاقتهم زمنا من أزمنة الرجاء وكرة القدم، لقد كانا معا بحاجة لأن يقدما دليلا على الشغف والعشق والحب للرجاء، ومن خلاله الغيرة العاقلة على كرة القدم الوطنية، فحصلا معا على ما يشهد بأنهما وضعا في مرتبة العظماء بمرتبة الحب الصوفي للرجاء.

رحم الله عبد اللطيف ورشيد وكل من سخر حياته، لخدمة العشق للرياضة ولكرة القدم وللقيم الجميلة والأصيلة، لا يبغي في ذلك سلما يصعد من خلاله على رقاب الناس.   


عن صحيفة المنتخب المغربية

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وجع الأخضر وجع الأخضر



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

GMT 17:50 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"أون" تبدأ عرض مسلسل "أبو العلا 90 " لمحمود مرسي

GMT 13:20 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس يبعث برقية عزاء في رئيس تشاد

GMT 07:47 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

بطولة الخريف

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

الكشف عن تفاصيل ألبوم شيرين عبد الوهاب المقبل

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل تهزّ "سوق الجملة" في مدينة تطوان المغربية

GMT 06:41 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الكوكب المراكشي في "قفص الاتِّهام" بسبب مِلفّ السعيدي

GMT 12:37 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بوصوفة يشيد برونارد ويعتبر المدرب الأفضل بإفريقيا

GMT 05:08 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"فورد" تطلق سيارتها الحديثة "موستانغ ماخ إي" الكهربائية

GMT 11:03 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة اسماعيل الحداد لا تدعو إلى القلق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib