الرئيسية » أخبار الثقافة والفنون
أحد المتطرفين أثناء تحطيم الأثار

واشنطن ـ يوسف مكي

سيطرت القوات العراقية على مدينة نمرود، أحد مواقع القصور الآشورية العظيمة، بعد معركة شرسة مع متطرفي "داعش". ويتبع تحرير أنقاض نمرود، استعادة نظام الرئيس الأسد لما تبقى من مدينة تدمر في وقت سابق من هذا العام. وتتراجع تدريجيًا الحرب الشرسة التي شنتها "داعش" على الآثار القديمة، وتم استعادة بعض المواقع الأثرية من منطقة الشرق الأوسط، ويمكن لعلماء الآثار حاليًا الذهاب، واكتشاف ما تبقى من قصر الملك آشور ناصريال الثاني 883-859 قبل الميلاد، أحد إبداعات الآشوريين القديمة المذهلة، وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو تحطم مدينة نمرود وتجريفها عام 2015، وشوهد المتطرفون في الصور يحطمون المنحوتات والتماثيل.

ولم يكن هناك حربًا ممنهجة على الثقافة، مثل التي خاضتها "داعش"، ونحن لم ندرك بعد هذه الدرجة من الوحشية البربرية. وتشير كلمة "البرابرة" إلى هؤلاء الذين اجتاحوا الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس قبل الميلاد، أنهم "الوندال" الذين أنهوا حكم الرومان، وهم شخصيات مخربة للممتلكات، ولا يزال اسمهم مرتبط بالتدمير الوحشي، بينما لم يكن القوط الغربيين وغيرهم من اللصوص، من مدمري الحضارة على الإطلاق، وبحلول القرن التاسع تصاعدت إمبراطورية شارلمان، والذي حاول استعادة تراث روما والحفاظ عليه، ومنذ تلك الفترة يعدّ التاريخ الثقافي بالكامل لأوروبا، وحتى العصر الحديث حكايات كلاسيكية متكررة.

وكانت الغزوات العربية التي جلبت الإسلام إلى شمال أفريقيا وأسبانيا في القرنين السابع والثامن، أكثر حساسية للتراث الكلاسيكي، وبعيدًا عن حرق الكتب، حرص الفاتحون على الحفاظ على الآثار وترجمة أعمال أرسطو وغيره من الكتاب اليونانيين إلى اللغة العربية، ويوضح المسجد الكبير في قرطبة كيف فسر الإسلام التقاليد الكلاسيكية، وتعدّ صورة الغزاة الهمجية الذين دمروا الحضارة بمثابة خرافة، وعادة حرص هؤلاء الغزاة على الاستفادة من تلك الثقافة وليس تدميرها، وعندما غزا جانكيز خان الصين في أوائل القرن 13، لم يدمر ثقافتها بل على العكس تبنى المنغوليون البرارة الحضارة الصينية، وساعدوا على نشر إنجازاتها.

ونجد أن معظم الغزاه حرصوا على تصوير أنفسهم كأصدقاء للثقافة وليس أعداء لها، واصطحب نابليون العلماء والمؤرخين معه إلى مصر وصوّر غزوه لمصر كمهمة ثقافية جيدة، حتى أن أدولف هتلر زعم أنه صديقًا للفن، وظل منغمسًا في المخططات المعمارية الضخمة الطموحة للمباني، بما في ذلك المتاحف في أيامه الأخيرة في القبو.

ويعتبر تنظيم "داعش" من أكثر التنظيمات المتطرفة كراهية للفن، وعلى النقيض نجد أن معظم المعتدين في التاريخ تظاهروا على الأقل بأنهم يحبون الثقافة حتى وإن كانت أفعالهم تدمرها، ويعدّ التنظيم الوحيد الذي سبق "داعش" في تدمير الفن حركة طالبان، والتي نسفت تمثالي بوذا في باميان عام 2001، وهو ما يمثل بداية عصر جديد للتعصب ضد الفن، وفي الحقيقة هناك تاريخ طويل من المتعصبين الدينيين الذي هاجموا الفن والجمال، وفي فترة الإصلاح في أوروبا هاجم الغوغاء الذين اعتقدوا بحب الفن الكاثوليكي حبًا أعمى التماثيل، وحطموا النوافذ الزجاجية الملونة، وإذا أردت حقا أن ترى تدمير الفن فيما قبل داعش يمكنك الذهاب إلى أي كنيسة بريطانية قديمة، حيث كانت كنائسنا الهادية حاليًا ضحية للمتعصبين الهائجين في إحدى الأيام.

وعلى النقيض عندما غزا الأتراك العثمانيون القسطنطينية عام 1453، فإنهم لم يهاجموا المبنى المسيحي بها، لكنهم حولوه إلى مسجد بغضافات بسيطة، وهو مسجد أيا صوفيا التي لا يزال موجدًا حتى اليوم، وهو تحفة مسيحية محافظة في قلب مدينة إسلامية، ويمثل نصب تذكاري لقدرة الإنسان على احترام الفن حتى عندما يرمز إلى نظام عقائدي مختلف.

واعترف أحمد فقيه المهدي في المحكمة الجنائية الدولية على تدميره للكنوز في تمبكتو، واعتذر عن هجومه الأعمى الجاهل على الثقافة، وهو ما يعدّ نقطة تحول، دعونا نتمنى أنه بعد هزيمة "داعش"، لن يأتي أحد ويجعل الفن عدوًا له، دعونا نعترف  بوجود حلقة كارثية من العنف الديني ضد الفن من قبل، وأن الحرب دمرت العديد من الأشياء الجميلة، ولكن لم يكن هناك تحديدًا معتدي سعى إلى تدمير الفن علنًا، ونفذّ سياسته في مواقع مثل نمرود وتدمر، وبذلك يمكن القول أن العهد الحقيقي للمخربين، ليس في  القرن الخامس ولكن في القرن 21.

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

وزارة الأوقاف المغربية تُحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات…
محمد المهدي بنسعيد يترأس الوفد المغربي في الحوار الوزاري…
الأمير مولاي رشيد يترأس افتتاح الدورة الثلاثين للمعرض الدولي…
وزير الثقافة المغربي يؤكد أن الاعتزاز بالتاريخ والقيم الأصيلة…
الشاعرة المغربية سناء الحافي تصدر ديوانها "ملك القلوب" إهداءً…

اخر الاخبار

مصر تشدد على رفض المخطط الإسرائيلي لإقامة «مدينة الخيام»…
تصعيد عسكري إسرائيلي يستهدف دمشق ودرعا وسط تحذيرات أميركية…
إثيوبيا تعلن اعتقال 82 شخصًا يشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش…
مجلس التعاون الخليجي يدين الغارات الإسرائيلية على سوريا ويصفها…

فن وموسيقى

باسم ياخور يعتذر للسوريين ويؤكد أنه لم يكن جزءاً…
المغربية جنات تعود بألبوم جديد يحمل عنوان ألوم على…
سعد لمجرد يقدّم حفلاً أسطورياً في المغرب بعد غياب…
سميرة سعيد تبدأ تحضيرات ألبوم جديد مع هاني يعقوب…

أخبار النجوم

عمرو دياب يستعد للقاء الجمهور اللبناني في حفل مرتقب…
لطيفة تعبر عن سعادتها بنجاح ألبوم قلبي إرتاح وتكشف…
نانسي عجرم تكشف عن أول لمحة من ألبومها الجديد…
محمد رياض يعلن ختام مسيرته في رئاسة المهرجان القومي…

رياضة

باريس سان جيرمان يضم المغربي محمد أمين الإدريسي في…
فيفا يختار لاعب الهلال ضمن أبرز 5 "واعدين" في…
الثنائي المغربي أشرف حكيمي وياسين بونو ضمن التشكيل المثالي…
موقعة نارية في النهائي العالمي بين تشيلسي وباريس سان…

صحة وتغذية

تناول ثمرتين من الكيوي يومياً يعزز صحة الأمعاء ويكافح…
تحول جذري في علاج إصابات العمود الفقري بعد موافقة…
لعلاج الصداع النصفي المؤلم إليك حيلة زجاجة الماء البسيطة
جوز البرازيل كنز غذائي يعزّز صحتك من الداخل إلى…

الأخبار الأكثر قراءة

وزير الثقافة المغربي يؤكد استعداد الحكومة لطرح الصيغة الجديدة…
ترامب يزور جامع الشيخ زايد الكبير في أبو ظبي