الرئيسية » التحقيقات السياحية
قصبة أيت حدو في المغرب

ورزازات (المغرب) - سعيد بونوار

أثقل أمتعة المسافر حافظة نقود فارغة"، هكذا يفكر الألمان قبل السفر، ولأنهم يؤمنون أن السياحة مجرد طائر يحمل متاعه في جناحيه ويتلذذ بالطبيعة دون أن يثقل كاهله بالمتاع، تراهم يحملون "حقائب ظهر صغيرة، يجوبون العالم، ويفضلون البراري وهم واثقون أن ما سيجنونه من متع السفر أغلى بكثير من حقائب ثقيلة تهد الجسد قبل أن تكون عرابين ود وتوادد    أفواج من السياح الألمان يفضلون "الاغتراب" في قلعة من رمال، تبدو من بعيد وكأنها ثكنة تخفي وراء جدرانها "قطاع طرق الصحراء"، يعرفها العالم بقصبة "بن حدو"، ويختارها كبار نجوم السياسة والفنون فضاء لقطع حبل الوصال مع  صخب الدنيا   قلعة جذابة تستمتع فيها بلغة الصمت، وبصور الماضي، وبحياة ترف مصبوغ بألوان البساطة، لون التربة والماء والخُضرة والوجه الحسن، قلعة تفتح أبوابها للهاربين من ضجيج الحياة، ومحركات النغص، وهموم المال والأعمال، وصداع البورصة، وصراخ الزوجات، قلعة تنسج بساط الاسترخاء بين الأرض والسماء، مفتوحة للراغبين في سياحة التاريخ، وفي شم عبق السنين الغابرة، قلعة سارعت الأمم المتحدة إلى تصنيفها تراثاً إنسانياً عالمياً    أي غرابة تخفيها "القصبة"؟ وأي أشباح تلك التي توزع الشفاء في ليل تختلط فيه النجوم بالماء؟ أي أدوية مسكنة للأوجاع تمنحها الطبيعة للراغبين في طمس ألوات القتامة في المدن والحواضر نظير الاستمتاع بخضرة القلوب وزرقة العيون..تلك حكاية "قصبة" يفضلها نجوم "هوليود" وينام بين غرفها الطينية مشاهير"بوليود"، وتجمع أزقتها الضيقة كبار الساسة والأثرياء والفقراء، ويعلو فوق مآذنها الآذان    الوصول إلى القصبة الرابضة فوق الهضبة، يلزم التجرد من أحاسيس الخوف كلها، وغسل الفؤاد من أوساخ الريبة والشك التي تتناثر مع أبخرة السيارات والشاحنات والمصانع، فهنا تستعيد نضارتك وشبابك، وهنا تتخلص من كل أمراض العصر لتصير معافى بوصفة طبية ربانية قوامها التراب والماء والطبيعة وعادات الحياة البسيطة  ويفضل الكثير من السياح المغامرة بركوب "سيارات الكات الكات" بدل النزول المريح في مطار ورزازات (الجنوب الشرقي للمغرب)، فمنعرجات "تزن تيشكا" الوعرة تضفي على الرحلة متعة خاصة، إذ تخترق السيارات الوديان الصغيرة المحيطة بالقلعة الرملية، والتي يُطلق عليها أيضا بـ"القصر" لتصل إلى البوابة الرئيسية حيث يجد السائح كل ما يطلبه من سكينة في بيوتها، ودورها التي حافظت على تاريخيتها، فالقلعة شيدت في القرن الحادي عشر الميلادي، وتحولت اليوم إلى قبلة للسياح من شتى بقاع العالم، والسبب الرئيسي في ذلك أن مسالكها وطبيعتها وجدرانها تحولت إلى أماكن لتصوير أشهر الأفلام السينمائية العالمية، وفي طليعتها فيلم "لورانس العرب" و"جوهرة النيل" و"المصارعون" و"مملكة الجنة" وغيرها من الأفلام العالمية التي ساهمت في التعريف بقصبة" أيت بن حدو" على المستوى العالمي، بل أن القصبة تحتضن على مدار العام تصوير أشهر الأفلام الوثائقية لكبريات القنوات التلفزيونية العالمية   ما أن تلج "القلعة" حتى تنبعث روائح اللوز من الجنبات كلها، فـ"القصبة" شيدت بين حقول اللوز، وأحاطت بها أشجار النخيل على مساحة تفوق الـ 1300متر مربع، ويحيط بها وادي "أونيلا" كأنه يحميها من قوارب الغزاة، مجراه وسط الصحراء يرسم لوحات طبيعية جذابة كانت بدورها مصدر إلهام لعدد من كبار التشكيليين العالميين الذين رسموا القصبة وتغنوا بجمالها وبهدوئها    وأضحت اليوم قصبة "أيت بن حدو" تتوفر بها بنية تحتية ومنشآت سياحية تستقبل الراغبين في البحث عن الراحة والطبيعة وحسن الاستقبال، وهو ما أهّلها إلى أن تتحول في وقت وجيز إلى قبلة لأكثر من 300 ألف سائح يزورونها كل عام، وتتضاعف أعدادهم في فصل الربيع، والغريب أن قلة قليلة من السياح العرب التي تَعرف المنطقة وتزورها، وتكفي الإشارة هنا إلى أن كبار مشايخ الخليج يفضلون هدوء والطابع المحافظ لأهالي المنطقة لزيارتها والظفر بسويعات جميلة في مزاولة هواياتهم المفضلة ومنها الصيد بالصقور وصيد الغزلان، فالمنطقة غنية بنسيجها الطبيعي والحيواني، والذي يشكل فضاء ممتعاً لممارسة بعض الهوايات العربية والتي لا تستثني الغرب منها    ويصف الباحث الأنثروبولوجي محمد بوصالح قصر "أيت بن حدو" بكونه " نموذجاً بارزاً لنمط من البناء الذي يمثل مرحلة أو مراحل مهمة من التاريخ البشري، كما أن القصر يقدم نموذجاً بارزاً لتجمع سكني بشري تقليدي، أو لأسلوب لاستخدام الأراضي أو لاستغلال البحار، حيث يعكس بذلك ثقافة أو ثقافات معينة، أو يمثل التفاعل بين الإنسان وبيئته، لا سيما عندما يصبح عرضة للاندثار بتأثير تحولات لا رجعة فيها"فرغم البناء المعماري التقليدي للقلعة، والقائم على استلهام الثقافة الأمازيغية الصحراوية في البناء من خلال البيوت الطينية والأسوار الدفاعية والتي تكاد تقترب من المعمار اليمني مما يجسد حقيقة الانتماء المغربي لشبه الجزيرة العربية، فإن السائح يجد متطلباته كلها من حيث تأثيث فضاءات "القصبة" بالديكور المغربي الصحراوي الأمازيغي، وتقديم وجبات مغربية عتيقة للسائح والتي تشعره كما لو أنه يعيش القرن الحادي عشر بتفاصيله كلها، فالقلعة شكلت على مر قرون شاهداً على الفتوحات الإسلامية لبلدان أفريقيا، إذ بقربها كانت تمر جيوش الفاتحين من مراكش في اتجاه "تمبوكتو" ومالي والنيجر والسودان وبالقرب من القصبة ذاتها، كانت تمر قوافل التجارة المارة عبر وادي درعة، و"ممر تيزي ن تلوات"، بل وشهدت المنطقة استقرار عدد من العلماء والفقهاء البارزين في التاريخ الإسلامي    وتكفي الإشارة إلى أن عدداً من أمهات الكتب الإسلامية الأصلية مازالت رابضة في المكتبات العتيقة المنتشرة في المنطقة    ويوفر ليل القصبة للسياح متعة أخرى، فالسماء المنيرة بالنجوم، تنسج ديكوراً طبيعياً لليال يتغنى فيها أبناء المنطقة بتراثهم "الكناوي والأمازيغي، في رقصات تراثية تشارك فيها النساء أيضا، وتضفي أجواء من الثورة على سهرات "الزعيق" المتناثرة في كباريهات المدن التي يُقال إنها سياحية    وتُوفر القصبة أيضا لروادها أنشطة من قبيل القيام برحلات إلى الواحات وفي الصحاري عبر الجمال للتعرف أكثر على المنطقة التي ظلت محور تلاقي العرب والأمازيغ وأبناء أفريقيا السوداء، وهي الرحلات التي تعتمد على سفينة الصحراء الجمل.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

تصاريح الإقامة للمغاربة في فرنسا تسجل ارتفاعا بنسبة 70…
تأشيرة شنغن تكلف المغاربة مليار درهم سنويا رغم الخسائر…
السعودية تتيح التقديم المباشر على تأشيرة العمرة من الخارج…
الاتحاد الأوروبي يصدر أكثر من 606 آلاف تأشيرة للمغاربة…
جزيرة بياضة السعودية جنة بحرية هادئة على سواحل جدة

اخر الاخبار

حماس ترد على ترامب بخصوص الأسرى الإسرائيليين
روبيو يتوجه إلى قطر بعد تل أبيب لبحث تداعيات…
مصر تسقط الجنسية عن 3 من عناصر الإخوان بسبب…
خبيرة أممية تتهم إسرائيل بمحاولة جعل غزة غير صالحة…

فن وموسيقى

تامر حسني يخفي إصابته بكسر في قدمه ويواصل نشاطه…
شيرين عبد الوهاب تعود بقوة بألبوم ضخم ستطرحه خلال…
نيللي كريم سعيدة بترشيح فيلمها "هابي بيرث داي" لتمثيل…
رنا رئيس تخضع لجراحة عاجلة بعد تعرضها لإجهاض ونزيف…

أخبار النجوم

أنغام تعود للظهور بعد جراحة البنكرياس وتشارك صورة مع…
جنات تكشف تفاصيل ألبومها وموقفها من عمل ابنتيها في…
ياسمين صبري تستعد لخوض مغامرة سينمائية جديدة
تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

رياضة

سفيان البقالي فضية طوكيو انتصار للتضحية والروح الرياضية
كريستيانو رونالدو يقود النصر في مغامرة قارية جديدة بدوري…
لقجع يؤكد جاهزية المغرب لتنظيم أفضل نسخة من كأس…
فهد المولد بين الغيبوبة والجدل حول الحادث اللغز عام…

صحة وتغذية

منظمة الصحة العالمية تدرس دعم أدوية إنقاص الوزن لعلاج…
ابتكار غراء عظمي يثبت الكسور في ثلاث دقائق ويذوب…
اليونيسف تؤكد أن السمنة أصبحت الشكل الأكثر شيوعا لسوء…
تحذيرات صحية في مصر من حقنة هتلر ومخاطر الخلطة…

الأخبار الأكثر قراءة

إطلاق طيران مباشر بين الأردن والمغرب
وزارة الخارجية الأميركية تلزم بعض المسافرين بدفع كفالة مالية…
إيرادات السياحة في المغرب تسجل 54 مليار درهم بالنصف…
إضراب شامل في تونس يشلّ حركة النقل ويربك المسافرين
قيوح يؤكد أن المكتب الوطني للمطارات يطمح لزيادة الطاقة…