الرئيسية » التحقيقات السياحية
واحة "تغمرت" في جنوب المغرب

العيون ـ هشام المدراوي

أصبحت واحة "تغمرت"، التي تعدُّ إحدى أهم الواحات المغربية وأكبرها على الإطلاق، معرضة لخطر "إعصار" المد العمراني، الذي بدأ يزحف إليها تدريجيًا.
وتبعد واحة "تغمرت" حوالي 12 كلم جنوب شرقي مدينة كلميم المغربية حاضرة وادي نون، وتدخل ضمن النفوذ الترابي للجماعة القروية "أسرير".
وتستهوي الواحة زائرها، بما تملكه من تاريخ ضارب في القدم، كثيراً ما تحدثت عنه المصادر التاريخية وتم تداوله على نطاق واسع من خلال ما جادت به الذاكرة المحلية، بشأن نمط عيش السكان، والعادات والتقاليد المختلفة.
ولم تق كل تلك المؤهلات التي تزخر بها المنطقة، من شر التخبط في مشاكل لا حصر لها، في مقدمتها تعالي خطر الزحف الإسمنتي، الذي صار يهدّد مقوماتها الثقافية والحضارية، مع تواصل تنامي المدّ العمراني.
وعلى طول 12 كيلومترًا في الاتجاه إلى الجنوب الشرقي لمحافظة كلميم، نادرًا ما تصادف سيارة تسلك معابرها، لا لشيء سوى لغياب وسيلة نقل قارة، يمكن الاعتماد عليها، إلا عددًا محدودًا من سيارات الأجرة، التي لا تشتغل على هذا الخط إلى نادرًا.
الكل هنا يتحمل مسؤوليته في ما آلت إليه أوضاع هذا المنتجع السياحي، الذي كان بالإمكان تحويله إلى أكبر منتجع في شمال أفريقيا بمواصفات دولية، لولا تقاعس المسؤولين، الذين لم يولوا أيّ اهتمام بهذه المنطقة الطبيعية الرائعة، إذ أنَّ الغريب في الأمر أنّه حتى المبادرات القليلة التي تم تسجيلها في هذا الإطار صدرت من طرف مجموعة من الأجانب، لاسيما الفرنسيون منهم، الذين اعتمدوا على إمكاناتهم الذاتية من أجل التعريف بالمنطقة في بلدان أوروبيّة عديدة.
ويبقى متحف القصبة في "تغمرت" من أهم متاحف الجنوب المغربي، الذي يتم تسيره بفضل إمكانات خاصة لأصحابه، الذين أسسوه في سبعينات القرن الماضي، من خلال مبادرة شخصية منهم، بعد أن دفعهم حبهم للمنطقة وحرصهم الشديد على الحفاظ على مورثها الثقافي وتراثها إلى تجميع مجموعة من الأدوات المحلية الخاصة، وعرضها على أنظار السياح والباحثين والزوار القاصدين للمنطقة، حتى تحول هذا المتحف، إلى مرجع لدى الكثيرين، سوءًا كانوا مغاربة أم أجانب، من أجل التعرف عن قرب على مقومات الحياة في المنطقة برمتها، والتي تختلف عن بقية المقومات في المناطق الأخرى، نظرًا إلى الخصوصيات الجغرافية والمناخية التي تحكمت كثيرًا في سيرها العام.
والزائر لمتحف القصبة يشعر وكأنما تدور به عجلة الزمن إلى الوراء، حيث أنَّ مدخل القصبة لا يعكس بشكل جلي براعة متجذرة في البناء التقليدي من خلال التناسق الكبير بين مكونات هذا المدخل، حيث يتمركز في أقصى اليمين قسم خاص بكل الأدوات القديمة، التي كان يستعملها إنسان المنطقة في قضاء حاجيته المختلفة، والتي تعكس روح الاختراع لديه، حيث أن غالبيتها مصنوعة بمواد بسيطة للغاية لكنها كانت تؤدي أدوارًا جليلة على المستوى المعيشي للسكان، الذين كانوا يعتمدون كثيرًا على الزراعة وتربية الماشية.
وفي قلب المتحف تستقطبك مجموعة من اللوحات الفنية المتميزة التي تعكس الطرق المعيشية للسكان، وكذا جوانب متعددة من الحضارة المحلية، وفي أقصى اليمين نصبت خيمة تقليدية، يتم من خلالها توزيع أكواب الشاي المحلي على زوار المتحف، الذين يبهرون بما جادت به عبقرية الصانع المحلي، من أدوات ولواحات فنية بديعة.
ويتهافت عموم السياح إلى التقاط صور تذكارية لهم في مختلف أرجاء متحف القصبة، وإذا كان هذا المتحف يسير وفق مجهودات شخصية فإن المسؤولين بدورهم مطالبين أيضًا بالمساهمة في تسيير هذه المعلمة التي صارت حديث العامة والخاصة، والتي يتطلب الرقي بها تضافر الجميع من سكان ومسؤولين، لأن ذلك سيكون في صالح قطاع السياحة والتنمية في المنطقة برمتها.
وبسبب جشع بعض من المقاولين، الذين وضعوا عينهم على المنطقة وبدؤوا في اقتناص مساحات ليست بالهينة من أراضيها بأثمان جد رمزية، مستغلين الضعف المعيشي لسكانها، وبساطة تأهيلهم التعليمي، باتت الواحة مهدّدة بالزوال.
وعلى الرغم من المبادرات المحتشمة التي تم إطلاقها في هذا الصدد للحفاظ على الواحة، من قبيل برنامج حماية وتنمية واحات الجنوب المغربي، الذي تم إطلاقه خلال عام 2006، من طرف مجموعة من الشركاء، تتقدمهم وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أقاليم الجنوب، بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية وولاية جهة كلميم - السمارة، ومركز تنمية المناطق الجافة بدعم من الحكومة الفنلندية، الذي كان من أبرز أهدافه حماية وتثمين تراث الواحات، وتنشيط الاقتصاد المحلي، ومحاربة الفقر، والنهوض بوضعية النساء، إضافة إلى إنعاش مهارات الصناعة التقليدية المحلية وإعادة بناء هوية الساكنة المحلية.
وكان المرتكز المحوري لهذا البرنامج الاعتماد على مقاربة "السياحة التضامنية"، لضمان الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي لهذه الواحات، من خلال مواكبة ودعم الجماعات والجمعيات الهادفة، وحاملي المشاريع المتميزة، التي تروم النهوض بالمنطقة على جميع الأصعدة والمستويات، سيّما وأنَّ الواحة قد شهدت خلال المدة الأخيرة هجرة غير مسبوقة لأبنائها، الذين انساقوا وراء هم تغيير وضعيتهم المزرية، لاسيما مع الركود الكبير لعدد من الأنشطة، التي تعتبر المرتكز الأساس للسكان من قبيل تربية المواشي ونشاط الزراعة، حيث انعدمت المبادرات الواقعية التي كان بالإمكان أن تجعل من قطاع السياحة المحرك الأساس لبقية القطاعات الأخرى في المنطقة، الشيء الذي كانت سيحمل العديد من الانعكاسات الإيجابية على أبناء المنطقة، إذ سيمكنهم ذلك من الاستقرار وعدم الانسياق وراء الرغبة في الهجرة نحو المدن المغربية الأخرى، وكذلك البلدان الأوروبية أملاً في مستقبل أفضل لهم ولذويهم.

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

تصاريح الإقامة للمغاربة في فرنسا تسجل ارتفاعا بنسبة 70…
تأشيرة شنغن تكلف المغاربة مليار درهم سنويا رغم الخسائر…
السعودية تتيح التقديم المباشر على تأشيرة العمرة من الخارج…
الاتحاد الأوروبي يصدر أكثر من 606 آلاف تأشيرة للمغاربة…
جزيرة بياضة السعودية جنة بحرية هادئة على سواحل جدة

اخر الاخبار

وزير الخارجية المغربي يقوم بزيارة رسمية إلى جمهورية الصين
مسؤولون يعتبرون استعادة قاعدة باغرام بداية لغزو جديد لأفغانستان
استئناف مناورات بحر الصداقة بين تركيا ومصر بعد انقطاع…
حماس لاسرائيل اسراكم موزعون داخل غزة ولن نحرص على…

فن وموسيقى

ريهام عبد الغفور تخرج عن صمتها عقب تعرضها للتنمر…
تامر حسني يخفي إصابته بكسر في قدمه ويواصل نشاطه…
شيرين عبد الوهاب تعود بقوة بألبوم ضخم ستطرحه خلال…
نيللي كريم سعيدة بترشيح فيلمها "هابي بيرث داي" لتمثيل…

أخبار النجوم

أحمد مالك وهدى المفتي يتعاقدان علي «سوا سوا»في رمضان…
أنغام تعلن عن مفاجأة لجمهورها قبل حفلها في "ألبرت…
وفاء وآيتن عامر تُصدمان قبل عرض مسرحيتهما الخليجية بساعات
دينا الشربيني تكشف كواليس طريفة في فيلم "درويش" وعمرو…

رياضة

اسحاق ناظر يتوج بذهبية سباق 1500 متر
النصر السعودي يضع براهيم دياز في دائرة اهتمامه لتعزيز…
سفيان البقالي فضية طوكيو انتصار للتضحية والروح الرياضية
كريستيانو رونالدو يقود النصر في مغامرة قارية جديدة بدوري…

صحة وتغذية

وزير الصحة المغربي يتفقد الوضع الصحي بمكناس ويطلع على…
الذكاء الاصطناعي يتجاوز الاطباء في توقع مضاعفات العمليات الجراحية
منظمة الصحة العالمية تدرس دعم أدوية إنقاص الوزن لعلاج…
ابتكار غراء عظمي يثبت الكسور في ثلاث دقائق ويذوب…

الأخبار الأكثر قراءة

جامع الشيخ زايد الكبير الثامن عالميًّا والأول في الشرق…
وزارة السياحة ترد على دعوات المقاطعة وتؤكد إستمرار جاذبية…
إطلاق طيران مباشر بين الأردن والمغرب
وزارة الخارجية الأميركية تلزم بعض المسافرين بدفع كفالة مالية…
إيرادات السياحة في المغرب تسجل 54 مليار درهم بالنصف…