الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
الفنان التشكيلي عباس صلاديو

الرباط _ المغرب اليوم

بعنوان “العبقرية والفن”، يتطرق “كتاب جميل”، صدر حديثا، إلى تجربة “السريالية على الطريقة المغربية” التي تعكسها لوحات الفنان التشكيلي عباس صلاديوصدر هذا العمل عن جمعية الفكر التشكيلي، بدعم من إليزابيث بودي بوهلال، وهشام الداودي، مدير الشركة المغربية للأعمال والتحف الفنية. ويتضمن نصوصا للناقد إدريس كثير، والأكاديمي محمد الشيكر، ورئيس النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين محمد المنصوري الإدريسي.
ويتضمن “الكتاب الجميل” لوحات أبدعها صلادي في مراحل متعددة من تجربته التشكيلية، ونصوصا باللغتين العربية والفرنسية حولها وحول مساره، وما ألهمه، وعالمه الفني، ترجم إحداها عبد الكريم القصري.

وفضلا عن الأثر القوي، في حياته الفنية، لتسميته تيمنا بسيدي بلعباس، أي عباس السبتي، أحد رجالات مدينة مراكش السبعة، يربط إدريس كثير تفتق موهبة عباس صلادي بـ”وقع المشاهدة في ظلام النفس أو صمتها”، بخلفيات تشربها “لا شعوره (…) الذي كان مليئا بالخرافات والمعتقدات، بأفضية وباحات، بطبيعة وطبائع، بألوان زاهية وأخرى أقل زهوا”.

ويقف الكاتب عند خيال صلادي الذي “كان مشبعا بالثقافة العربية الإسلامية الشعبية. فيه الاعتقاد في اليوم الآخر، وطرد آدم وحواء من الجنة، وصعود الروح إلى بارئها، والشياطين، والملائكة… كما فيه لا محالة خرافات جامع الفنا: سيدنا علي، ورأس الغول، وسيف ذو يزن، وعنترة، ومقتطفات من ألف ليلة وليلة، وحكايات السادات والأولياء…”.

ويذكر الكاتب أن “الأسلوب المميز للفنان صلادي” يقع “ما بين السريالية، والتجريد، والرمزية، والفن الساذج الانطباعي”، ثم يقتبس نعت عباس صلادي أعماله بـ”السريالية على الطريقة المغربية”.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن “السريالية” تعبير إبداعي، في الفنون الجميلة والأدب، تترجم حرفيا إلى “ما فوق الواقعية”، وتستلهم تعبيراتها من اللاوعي الإنساني، ومن أبرز من عبر عنها الأديب أندري بروتون، الذي كان منظرا لها، والفنان سالفادور دالي.

ومن بين ما يلاحظه الناقد إدريس كثير في نصه حول لوحات هذا الفنان، أن الإنسان في مركزها، وأن “كل شيء يبدأ منه باعتباره حيوانا، وينتهي بخلوده فيما بعد البرزخ، باعتباره إنسانا.”

ويضيف كثير: “يمكن للأنثى، رغم حيوانيتها، أن تحلق بأجنحتها، خصوبتها وجمالها وجودها… لتقترب من المتعالي. لكن الذكر لا يستطيع ذلك إلا حالما أو متخيلا… وقد يلعب البراق (حصان من ذوي المناقير) دورا حاسما في هذا السفر، أو في هذا التحول / التطور… كما يسهم في تحقيقه العشب الأخضر. عشب الأولياء.”

بدوره، يكتب التشكيلي ونقيب التشكيليين محمد المنصوري الإدريسي عن الكائنات الأسطورية لصلادي، الذي عرفه عن كثب، قائلا إنها “تلتقط كسالكين سائرين في طريق الجَذب والكشف عن طريق أحوالهم، مجتازين المقامات الباطنية لبلوغ الحضرة الربانية.”

ثم يزيد متحدثا عن عدد من لوحاته التي “استلهم فيها المتخيل الإسلامي في المعراج النبوي، انطلاقا من نصوص المتصوفة، بكل إيحاءاتها الروحية والرمزية”، والتي تتقاطع فيها “الرحلة الأفقية مع الرحلة العمودية، بناء على عنف المتخيل وتحولاته”.

ويدون المنصوري في نصه أيضا ما باح له به صلادي: “منجزي البصري لا يندرج في خانة التصنيفات، فأنا أعبر قارات التشكيل التعبيري على صورة الهدهد الباحث عن الرسائل المرئية واللامرئية. في عوالمي الرمزية يتجاذب البعد التجريدي مع البعد التشخيصي، ويتشاكل الواقعي مع الغرائبي. ما يثير مخيلتي البصرية هو هذا الطابع الهجين الذي يسم كائناتي الأسطورية، وشطحاتي الحلمية”.

ويكتب التشكيلي عن حنين صلادي إلى “الفردوس المفقود”، وانزياح تعبيراته الفنية عن “منظومة الإدراك العقلي” وإبحارها في “أغوار الذاكرة والتاريخ الجماعيين”، وكشفه، ببراءة، عن أسرار متخيله وهويته المنحازين عن المركز، وتعليمه الإمساكَ عن “استعارات الآخر”، والتعبير انطلاقا من “استعارات الذات”.

من جهته، يسجل الباحث في الجماليات محمد الشيكر أن مرور عباس صلادي من شعبة الفلسفة كان عارضا، ولم يكن له وقع بالغ على عالمه الذهني، بل “ربما كان له وقع مضاد للتيار السائد، وللأوضاع السوسيو-سياسية المحتقنة”؛ لأن “المناخ الفلسفي السائد آنئذ كان مطبوعا بضرب من العقلانية الثورية (…) تعلي من المعقول ضدا على اللامعقول (…) -في حين-كان سليل المدينة الحمراء (مراكش) مسكونا بروحانية لا تتساوق مع الجلبة الأيديولوجية المحيطة، ولا تنصاع للدوكسا اليسراوية المهيمنة. لم يأبه عباس سليل الأغوار الروحية الغميسة لهذه العقلانية الصدامية المتورمة”.

ويعرج الشيكر على “حالات الوجد شديدة الوقع” التي كان يمر منها صلادي، بين حين وآخر، قائلا: “قد يدرجها السيكولوجي في دائرة العُصابات والهذاءات النفسية، وقد يسميها الثيولوجي مسا من الجن، وقد يصنفها النورولوجي في جنس اللوثة العصبية. لكن أصحاب الإشارات الصوفية يعدونها ضمن (ما يرد على النفس وتجده في ذاتها)”.

ويكتب الباحث في الجماليات أن صلادي كان “مسكونا بسؤال الحدود القصوى، والتخوم القصية، التي لا يستطيع العقل ارتيادها، وشأنه شأن فان جوخ، وهولدرلين، وريلكه، وأرتو، كان على علم بأن المدخل إلى الكينونة الحقة، لا يوجد إلا في التخوم القصوى القصية، الممتنعة على المعقوليات السائدة”؛ ولهذا “عاد إلى الميثوس الشعبي، واقترب من اللامعقول في أقصى صوره الهرمسية، وتشرب موتيفاته الأيقونية من المخيال الجمعي، ومن خيمياء المتن الحكواتي”، و”وجد في جامع الفناء ما لم يجده في أبهاء الجامعة ومدرجاتها”.

ويذكر الشيكر أن بدايات عباس صلادي التصويرية كانت “مشدودة، عامة، إلى مبدأ الواقع، وإلى طقوس العبور اليومي، وتشهد على ذلك لوحات نهاية منتصف السبعينات، مثل “الكوتشي” و”السمارين” و”بائع الإسفنج”؛ وهي في مجملها أعمال ذات مسحة تشخيصية فطرية”.

ثم يرصد الباحث “إرهاصات التحول الجنيني في أعمال صلادي” مع “الوداع” (1978) “التي مزج فيها بين التشكيل الكروماتي والتخطيط الغرافيكي”، قائلا إن هذه اللوحة تومئ، عبر ما خطه صلادي نفسه، إلى “العالم الخلاسي الذي سيطبع منجزه الفني لاحقا، والذي تتداخل فيه الكائنات والأشياء والأحياء”. ويستحضر الشيكر هنا ما يقرأ على سند اللوحة، فيما “يشبه الطلسمة التميمية”: “خلق الله الدنيا وخلق البحار والسماوات وخلق الحيوانات والأسماك والطيور والثعابين والأشجار والحشرات (…) فخلق التناقض والنفاق، فلماذا وضع الإنسان قناع الأخلاق؟”.

ويضع الناقد، انطلاقا من هذا المقروء، يده على “الانعطافة الأنطو-استيتيقية التي ستعرفها تجربة صلادي التشكيلية مع متم السبعينات”، ففيه “شجب لتناقض الطبيعة البشرية، وخبثها، وريائها”، لهذا “سيتحلل تدريجيا من أنشوطة هذا الواقع الشائه والمرذول، ليلتمس عالما خلاسيا، بديلا، تؤثثه الطيور والحيوانات والثعابين والأشجار والكائنات الهجينة والمسيخة”.

و”رغم ما قيل عن منجز عباس صلادي، وعن تأثره بسيميائيات المتن البصري الفرعوني أو بإيقونوغرافيا المنمنمات الفارسية”، فإن عالمه التشكيلي، وفق الشيكر، “سيظل في الحقيقة عالما جوّانيا خاصا، يقوم على ممازجة خلاقة بين رواسب الذاكرة الحكائية، ونوازع اللاوعي، وتجنيحات الخيال (…) موغلا في العجائبية”، تقيم فيه “الكائنات الأشد بلورية وغرابة، في قصور شبيهة بعدن في المخيال الشعبي…”، وهو “عنوان فرادة صلادي، ومدخله الملكي إلى الكونية”.

يهمك ايضا

 تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

زاهي حواس يكشف حقيقة الزئبق الأحمر في المتحف المصري واقتحامه سنة

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

اختفاء لوحة أثرية مصرية نادرة والنيابة العامة تفتح تحقيقًا
انطلاق تصفيات مسابقة مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة في…
اعلان الفائزين في جايزة منصور بن زايد لتصوير الخيل…
القوات المسلحة الملكية تبرز التراث المغربي في معرض الفرس…
ناصر بوريطة يؤكد أن تخليد ذكرى 15 قرنا على…

اخر الاخبار

الخزانة الأمريكية تفرض عقوبات على قطاع النفط الروسي
الاتحاد الأوروبي يوافق على حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا
الحكومة الفرنسية تؤكد أن حماس تستعيد السيطرة على غزة
مصدر يكشف تفاصيل مباحثات مصر وإسرائيل حول غزة

فن وموسيقى

محمد رمضان يطرح الإعلان الترويجي الأول لفيلم "أسد" من…
أزمة جديدة تضرب الفنان محمد فؤاد بعد تسريب أغنية…
منة شلبي تكشف كواليس تكريمها في مهرجان الجونة و…
منة شلبي تحصد جائزة الإنجاز الإبداعي في مهرجان الجونة

أخبار النجوم

إياد نصار يكشف عن مسلسل رمضاني يتناول أحداث غزة
تسريب أغنية حليم يشعل أزمة بين محمد فؤاد وشركته
حنان مطاوع تكشف تفاصيل مشاركة فيلمها هابي بيرث داي…
شيرين رضا تتناول دور التكنولوجيا في صناعة السينما وتبدي…

رياضة

ديمبيلي يقود سان جيرمان لاكتساح تاريخي على أرض ليفركوزن
إنتقادات حادة لمحمد صلاح بعد هزيمة ليفربول أمام مانشستر…
لقجع وسط الجماهير لدعم المغرب أمام الأرجنتين في نهائي…
صلاح بين ميسي ورونالدو في قائمة أعظم لاعبي كرة…

صحة وتغذية

دراسة جديدة تربط بين الشيب والوقاية من الأورام
6 مشروبات صحية ثبت علميا أنها تخفض مستويات السكر…
الاكتشاف المبكر لمرض الزهايمر وأهمية التعرف على العلامات الأولية
العلاقات الاجتماعية الدافئة تحسن صحة كبار السن وتبطئ الشيخوخة

الأخبار الأكثر قراءة

مهرجان البندقية يكرّم صوت هند رجب بجائزة الأسد الفضي
وزارة الأوقاف المغربية تُعلن عن المرحلة الثانية لاستخلاص مصاريف…
وزير الثقافة المغربي يدعو المنتجين العالميين لاكتشاف المملكة كوجهة…
انطلاق الدورة الـ32 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بمشاركة…
وزارة الأوقاف المغربية تعلن الإثنين أول شهر ربيع الأول…