شهدت مراكش، خلال العام العالي، عددًا من الأحداث العالمية البارزة، مكنتها من الظفر بلقب مدينة التميز المغربية، خصوصًا بعدما اعتبرت قبلة استضافت شخصيات عالمية مرموقة، بهدف مناقشة مواضيع كبرى ومبادرات تهتم بالشأن الدولي.
واستطاعت مدينة مراكش، أن تعزز مكانتها كساحة للقاءات، وتتيح أيضا للمملكة فرصة إبراز انفتاحها على العالم وإرادتها في لعب دورها داخل المنظومة الدولية. وشكلت القمة العالمية الخامسة لريادة الأعمال والدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، الحدثين البارزين اللذين احتضنتهما المدينة الحمراء خلال العام الحالي، باعتبارهما قضيتين تستأثران باهتمام كبير وخصوصًا من لدن البلدان النامية في إطار سعيها الحثيث إلى بناء مستقبل أفضل وترسيخ القيم الإنسانية العالمية. ففي إطار قمة ريادة الأعمال التي عقدت في الفترة الممتدة ما بين 19 و21 تشرين الثاني/نوفمبر في المدينة الحمراء، بمبادرة مشتركة من الملك محمد السادس والرئيس الأميركي باراك أوباما خلال الزيارة الملكية الأخيرة إلى واشنطن، في حضور 3000 قادة ورؤساء دول ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، إلى جانب حضور نسائي قوي.
ولعل أقوى لحظات هذه القمة العالمية الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في حضور نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، مؤكدًا "الإنسان لا يولد مقاولا، بل يصبح كذلك عبر الانخراط في مسار النجاح، من خلال علاقة تفاعلية بين المجهود والتعلم والتحكم في الصعوبات".وبعد ثلاثة أيام من التبادل المثمر والغني، توجت هذه التظاهرة بالإعلان عن مبادرات لصالح المقاولين الشباب، كان أهمها ما أعلن عنه جو بادين والمتمثل في قرار حكومة بلاده استثمار نحو 50 مليون دولار إضافية في إطار برنامج تحدي الألفية، لدعم استراتيجية المغرب في مجال التدريب المهني. ووعيا بدور المغرب المحوري في مجال التعاون "جنوب –جنوب"، أعلن نائب الرئيس الأميركي ،أيضا، عن قرب إنشاء أكاديمية في المغرب لتدريب الشباب المغاربة والمنحدرين من كوت ديفوار والسنغال، كما أعلن أن أولى عمليات الشبكة العالمية للشراكة سيتم إطلاقها من المغرب، وتهدف هذه الشبكة في المقام الأول إلى توسيع الفرص الاقتصادية للجميع، ولاسيما للشباب والنساء، إذ سترصد واشنطن لهذا الغرض غلافا ماليا بقيمة مليار دولار لدعم القطاع الخاص في عدد من البلدان خلال السنوات الثلاث المقبلة. كما تم التأكيد خلال هذه القمة على أهمية تدريب الشباب، وذلك من خلال الإفصاح عن إنشاء مؤسسة المكتب الشريف لـ"الفوسفاط" وشركائه لـ "أكاديمية إقليمية" تعنى بالتدريب في مجال صيانة المحركات الصناعية الثقيلة والعربات التجارية، فضلا عن إطلاق دراسة جدوى لإنجاز مدينة للمقاولة في المغرب، بشراكة مع "بابسون كوليج". وتكريسا لالتزام المملكة بتعزيز التعاون "جنوب –جنوب"، أعلنت مؤسسة بنكية مغربية كبيرة عن إطلاق الجائزة الأفريقية لريادة الأعمال بقيمة مليون دولار سنويا.
وفي ميدان حقوق الإنسان، استضافت مدينة مراكش في الفترة الممتدة ما بين 27 و30 تشرين الثاني/نوفمبر الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان التي شكلت مناسبة بالنسبة للمملكة لتأكيد تجربتها في مجال حقوق الإنسان التي تعتبر نموذجا على المستوى الإقليمي والعربي من خلال التزامها المتواصل بالاتفاقيات الدولية في هذا المجال، فضلا عن إتاحة الفرصة لبلدان الجنوب للتفاعل مع الأجندة العالمية لحقوق الإنسان.
وتميز افتتاح هذا المحفل العالمي بتلاوة الرسالة الملكية التي شكلت لحظة قوية أعلن فيها العاهل المغربي محمد السادس عن إيداع المغرب لوثائق التصديق على "البروتوكول" الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وذلك بهدف إحداث آلية وطنية للوقاية. كما أعلن أن المملكة تعتزم المصادقة على "البروتوكول الاختياري الثالث" للاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل، الذي يحدد القانون اللازم لتقديم العروض. ووفت الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بوعودها، وذلك من خلال مشاركة نحو 7 آلاف مشارك من 95 دولة، ومناقشة أكثر من 100 موضوع من مختلف قضايا حقوق الإنسان، فضلا عن تنظيم 160 نشاطا إقليميًا ورياضيا وثقافيا وتدريبيا بمناسبة هذا المحفل العالمي، الذي غطى فعالياته نحو 397 صحافيا يمثلون وسائل الإعلام العالمية.
وأسهم منتدى مراكش بفاعلية في الإعداد للذكرى العشرين لإعلان والبرنامج العالمي للعمل "بكين زائد 20" حول حقوق النساء وذلك من خلال تسع ورش موضوعاتية خصصت لقضايا المناصفة والمساواة والعنف والنوع والريادة النسائية. كما ساهم المشاركون في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان 2014 في النقاش العالمي حول أهداف التنمية لما بعد 2015، والتي ستكون محور اجتماع دولي في نيويورك في أيلول/سبتمبر 2015.
واستضافت مراكش اجتماع لجنة القدس، لنصرة القضية الفلسطينية، خلال 17 و18 كانون الثاني/يناير، برئاسة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس وفي حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبمشاركة وزراء خارجية البلدان الأعضاء في اللجنة، بالإضافة إلى حضور مبعوثين رفيعي المستوى، يمثلون الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، وممثل الفاتيكان، والأمم المتحدة والجامعة العربية.
وعاشت المدينة الحمراء على إيقاع حدث دبلوماسي مهم يعنى بمدينة القدس والمقدسيين، ويبحث الوسائل والآليات التي يمكن تفعيلها من أجل دعم صمودهم في مواجهة الممارسات الإسرائيلية. ووفت الدورة الـ20 للجنة القدس بوعودها بوضعها لقضية القدس في الواجهة على الساحة الدولية والأجندات الدبلوماسية في ظل ظرفية حساسة تتسم بتنامي الخروقات الإسرائيلية وممارسات سلطات الاحتلال الرامية إلى تهويد القدس وطمس معالم هذه المدينة المقدسة.
وتجسد القرارات الوجيهة الصادرة عن هذه الدورة مقاربة متجددة ومبتكرة، كما أكد على ذلك الملك محمد الادس في افتتاح هذا الاجتماع بالقول "إن حماية المدينة المقدسة من مخططات التهويد، ودعم المرابطين بها، لن يتأتى بالشعارات الفارغة، أو باستغلال هذه القضية النبيلة كوسيلة للمزايدات العقيمة، بل إن الأمر عظيم وجسيم، يتطلب الثقة والمصداقية، والحضور الوازن في مجال الدفاع عن المقدسات الإسلامية.
وتابع "تشبثنا بهوية القدس، ليس فقط لأنها أولى القبلتين وثالث الحرمين، ولكن أيضا لتظل كما كانت دوما، رمزا لوحدة الأديان السماوية، وفضاء للتعايش بين أهلها في جو من السلام والوئام".
واستضافت مراكش في تشرين الأول/أكتوبر، الدورة الثالثة لمنتدى الحوارات الأطلسية الذي شهد مشاركة حوالي 350 من مسؤولين سامين ووزراء سابقين وخبراء يمثلون 45 بلدا من أوروبا وأميركا الجنوبية والكاريبي وأفريقيا، إلى جانب الولايات المتحدة وكندا والصين والهند، من أجل مناقشة مختلف الموضوعات الدولية، المرتبطة بشكل وثيق بالأحداث الدولية، من قبيل قضية التنمية المعقدة والمخاطر الأمنية والمبادلات التجارية والتغيرات المناخية ونماذج التعاون الملائمة.
وعلى صعيد الجبهة الدولية لمحاربة التطرف، كانت المدينة الحمراء مرة أخرى في الموعد من خلال احتضانها في كانون الأول/ديسمبر الجاري للاجتماع الافتتاحي لمجموعة العمل التابعة للمنتدى العالمي لمكافحة التطرف المعنية بالمقاتلين الأجانب التي يترأسها المغرب وهولندا، ليؤكد المغرب من جديد انخراطه القوي في جهود محاربة هذه الظاهرة.
شكل هذا اللقاء الذي عرف مشاركة موظفين سامين وخبراء من حوالي أربعين بلدا، فضلا عم المنظمات الدولية والإقليمية وشبه الإقليمية، مناسبة للبلدان الأعضاء للتبادل حول مهام وبرنامج عمل المجموعة طبقا لتوصيات مذكرة "لاهاي-مراكش" المتعلقة بالمقاتلين المتشددين الأجانب.
وعلى المستوى الأفريقي، شهدت المدينة الحمراء خلال سنة 2014 تنظيم عدد من الفعاليات الكبرى همت التعاون "جنوب-جنوب"، تماشيا مع الخيار الاستراتيجي للمملكة بجعل هذا النوع من أشكال التعاون في مقدمة الجهود الرامية إلى تنمية القارة. ومن بين هذه التظاهرات، الدورة التاسعة لمنتدى التنمية في أفريقيا، والذي يعد حدثا متميزا تنظمه اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لأفريقيا، ويعقد كل سنتين منذ انطلاقه سنة 1999، حيث يوفر فضاء متعدد الأطراف للحوار والنقاش حول مواضيع مرتبطة بتنمية أفريقيا بغية انجاز جدول أعمال لتنمية القارة و العمل على تطبيق الاستراتيجيات و البرامج الخاصة بالدول الأفريقية. وشهدت هذه الدورة مشاركة حوالي 800 شخصية ضمنهم رؤساء دول وحكومات ووزراء ومقاولين ورجال أعمال وخبراء وممثلي المجتمع المدني. كما شكلت هذه التظاهرة فرصة للنقاش من مستوى عال حول الحصول على التمويلات من أجل التنمية والذي يعد مسألة تكتسي راهنية كبرى بالنسبة لبلدان القارة.
ومكن هذا الملتقى من دراسة سبل إيجاد آليات تمويل في إطار أربعة محاور فرعية تتمثل في "تعبئة الموارد الوطنية" و"التدفقات المالية غير القانونية" و"رؤوس الأموال الخاصة" و"أنواع الشراكة الجديدة".وفي الميدان الثقافي،وعرفت مدينة السبعة رجال تنظيم فعاليات ناجحة منها على الخصوص، المهرجان الدولي للفيلم و مهرجان "مراكش الدولي للضحك"، و"طبينال مراكش".
وكرست هذه التظاهرات الثقافية شهرتها مع توالي الدورات بالنظر لما تشهده من مشاركة مكثفة لثلة من الفنانين المرموقين وما تحظى به من تغطية إعلامية واسعة مما يجعل الأنظار تتجه صوب المدينة الحمراء. وعلى غرار السنة المنصرمة، لم تخلف المدينة الحمراء الوعد وكانت في الموعد باستضافتها خلال كانون الأول/ديسمبر الجاري لحدث كروي يحظى بمتابعة من طرف مئات الملايين من المشاهدين عبر العالم والمتمثل في نهائي كأس العالم للأندية والذي توج هذه السنة بإحراز النادي الملكي "ريال مدريد" للقب هذه الدورة.
ويعتبر القطاع السياحي، الذي يعد أهم نشاط اقتصادي في المدينة الحمراء، المستفيد الأكبر من هذه الفعاليات، حيث سجل معدل نمو قوي على صعيد مؤشراته كافة.
وتجاوزت المؤسسات السياحية في المدينة في تموزيوليوز المنصرم عتبة المليون سائح، حيث بلغ عدد السياح الوافدين على المؤسسات الفندقية المصنفة مليون و84 ألف و305 سائح مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة المنصرمة، كما أن مؤشر ليالي المبيت ارتفع بنسبة 11 في المائة حيث سجلت 3 ملايين و93 ألف و65 ليلة مبيت.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر