شيّع آلاف المغاربة جثمان وزير الدولة المغربي عبدالله باها، ظهر الثلاثاء إلى مثواه الأخير، في جنازة مهيبة كانت محط إجماع وطني من قبل الخصوص قبل الأصدقاء، اختلط فيها النساء بالرجال، واختلط مسؤولو الدولة الكبار بالمواطنين البسطاء.
وانطلقت الجنازة، التي شاركت فيها عدسة "المغرب اليوم"، من بيت رئيس الحكومة والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم عبد الإله بنكيران ورفيقه في الدرب الذي قضى معه حوالي 40 سنة من الصداقة اقتسموا فيها السراء والضراء..
واحتوت الجنازة على كل أطياف المجتمع السياسي والمدني والشعبي، تقدمهم الأمير مولاي رشيد الذي أناب عن العاهل المغربي محمد السادس -وكان في زيارة عمل في دولة الإمارات- كما تقدم الموكب الجنائزي رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بنكيران رفيق درب الراحل عبدالله باها، والوزيرين الأسبقين الزعيم التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي عبدالرحمن اليوسفي وادريس جطو -الذي سبق أن كان أول وزير من التكنوقراط في الحكومة التي تلقت حكومة التناوب التي قادها اليوسفي.
وحضر الموكب الجنائزي أيضًا الزعيم التاريخي للاشتراكيين المغاربة عبدالواحد الراضي، كما حضرها كل وزراء الحكومة إلا من وجد خارج أرض الوطن، وحضرها مسؤولون آخرون كثر، ليسيروا في الموكب الجنائزي ويصلّوا على المرحوم قبل أن يوارى الثرى في مقبرة الشهداء القريبة من وسط العاصمة الرباط.
وأجمع الحضور على أن باها فقيدًا لكل المغاربة ولكل الطبقة السياسية كما ذكر القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض حسن طارق والقيادي في حزب الاستقلال المعارض عبدالواحد الفاسي، لأن الفقيد لم يكن له أي عداوة مع أي من السياسيين، حتى مع أشرس خصوم حزبه.
لم تتسع جنبات المقبرة لتحمل أرجل القادمين من مدن عدة لتوديع الفقيد، فاضطر معه الأمن لإغلاق أبواب المقبرة، حسب ما عاينه "المغرب اليوم" الذي حضر الجنازة، وانقسم الموكب الجنائزي إلى فريقين، فريق وجد داخل المقبرة حيث تم دفن الراحل، والجزء الآخر من الموكب انتظر طويلًا خارج أسوار المقبرة، ليدخلوا أفواجًا لتوديع الراحل في قبره.
وذكر الوزير محمد الوفا -الذي عاش إلى جانبه 3 سنوات بين محنة الحكومة الأولى ومحنة الحكومة الثانية- قائلًا "لقد أبان المرحوم عبد الله باها أنه حكيمًا وقويًا ومتوازنًا في المواقف الصعبة التي مرت بها البلاد سواء كانت داخلية أو خارجية.
وأضاف المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي علمي، أن موت باها كان فاجعة كبيرة وصدمة لم يكن من السهل استيعابها.
وأوضح القيادي البارز في حزب الاستقلال المعارض عبدالواحد الفاسي "أن فقدان عبدالله باها يعتبر خسارة كبيرة" مضيفًا أن "الرجل كان لا يتكلم إلا من أجل النفع العام".
وأكد القيادي البارز في حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، عبداللطيف وهبي، "هل قدرنا أن تصبح لغة الرثاء هي لغة آخر هذه السنة؟ وهل قدرنا أن يتساقط الأصدقاء كأوراق الخريف؟ كيف يمكن للمرء أن يتحمل، وأن يعزي نفسه في اثنين من الرجال على مسافة بضعة أيام وفي نفس المكان؟ اثنين من أمثال الفقيدين بالأمس أحمد الزايدي واليوم عبدالله باها، وكأن السياسة تعيش خريفها، اثنان جمعهما الهدوء وجمعتهما الرصانة وجمعهما الاحترام الكبير لبعضهما البعض وللآخرين".
وأردف وهبي "عندما ألج قاعة مجلس النواب عند مسائلة رئيس الحكومة، أجد عبدالله باها جالسًا هادئًا تعلوه هيبة احترام كربوة ترفع هامتها، كان الرجل ينطق من صمته بحكمة سنفتقدها، ينظر يمنة ويسرة وهو يسمع دون أن يتدخل أو يرد على أحد، كانت له قدرة عالية على الاستماع دون تعقيب، يحتفظ بآرائه لنفسه أو ربما لمحيطه احترامًا لرئيسه الذي سيمسي مصابًا يتيمًا وعزاؤنا له".
وتابع وهبي، "تجد نظراته تجاه كل متحدث متشبعة بنوع من الاحترام والعناية الخاصة، بتواضع يسعى إلى فهم منطوق الكلام، كان الرجل محترمًا في صمته، رائعًا في أخلاقه، لا تهمه المنابر ولا المواقع ولا يمنح للمظاهر السياسية أهمية، كان يعرف أن دوره يكمن في خلق ذلك التوازن السياسي داخل عائلته السياسية وبين صديق دربه ومحيطه السياسي، يلعب دور الضابط للإيقاع متمكنًا من ذلك ولكن في غفلة من الآخرين.
أما المؤرخ المغربي والناطق باسم القصر الملكي سابقًا حسن أوريد، قال إن عبد الله باها كان يتميز بسمات الأولياء الصالحين، وكان رجل الحكمة، ويغلب مصلحة البلاد على كل شيء.
وأفاد المعارض من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حسن طارق، أن رحيل المرحوم باها يُعد خسارة لكل المشهد السياسي المغربي وخسارة لجميع المغاربة والوطن.
وعلق الإعلامي المغربي توفيق بوعشرين، قائلًا: "مات الرجل الذي لم يكن العيب يخرج من فمه، مات المهندس الذي نذر حياته لخدمة بلده، مات رجل الإجماع في حزب "العدالة والتنمية" والحكومة، مات من كان يقضي كل وقته في نسج الترضيات ووضع الحلول الوسطى في زمن الأزمات، مات من كان الناس يختلفون عنده ولا يختلفون حوله، مات الرجل البسيط الذي كان يمشي في درب الحياة بلا ضجيج، يقول كلمة طيبة للذي يريد سماعها، وعندما يلاقي الجفاء يخفض رأسه ويمشي إلى حال سبيله".
لقد قال هؤلاء وغيرهم الكثير والكثير من الكلام، فرحل الرجل بعدما غيبّه الموت، ولكن الرجل سيبقى حاضرًا بأفكاره وبمواقفه وبحكمته وبتواضعه وبقلبه الكبير الذي يتسع للجميع، أو كما أجمع على ذلك كل الزعماء والقادة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر