خلال زيارة تاريخية أولى إلى البيت الأبيض، أجرى الرئيس السوري أحمد الشرع مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» استمرت ساعة، ناقش الشرع، الذي كان مقاتلاً سابقاً، والذي تحدث عبر مترجم، بحسب الصحيفة، أهمية إعادة بناء علاقة سوريا بالولايات المتحدة.
كما قدَّم تقييمات صريحة للمحادثات الجارية مع إسرائيل، والعنف الطائفي الذي أعقب الحرب، ورحلته غير المتوقَّعة من متمرد متمركز في العراق وزعيم للمتمردين في سوريا إلى أول رئيس دولة سوري يلتقي رئيساً أميركياً في واشنطن.
وأكد الشرع أن زيارته إلى الولايات المتحدة، ولقاءه الرئيس دونالد ترمب وأعضاء في الكونغرس، تهدف إلى بناء علاقات شراكة قوية بين دمشق وواشنطن، مشيراً إلى أن المحادثات تناولت رفع العقوبات عن سوريا، وحققت نتائج جيدة.
وقال: «الهدف الأهم من الزيارة هو البدء ببناء العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة، لأنها لم تكن جيدة على الإطلاق خلال العقود الماضية، كنا نبحث عن مصالح مشتركة، ووجدنا أن لدينا العديد من المصالح المشتركة التي يمكننا البناء عليها، مثل المصالح الأمنية والاقتصادية».
وأضاف أن «استقرار سوريا سيؤثر على المنطقة بأسرها، والاستقرار مرتبط بالاقتصاد والتنمية وبالتالي برفع العقوبات، وهذا النقاش مستمر منذ أشهر، وأعتقد أننا توصلنا إلى نتائج جيدة. لكننا ما زلنا ننتظر القرار النهائي».
الصحفي أوستن تايس
ورداً على سؤال بشأن الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في سوريا، أغسطس (آب) 2012. قال الرئيس الشرع: «لدينا نحو 250 ألف مفقود سوري نتيجةً للحرب التي شنها النظام السابق على الشعب السوري، ويشمل هذا العدد أيضاً بعض الذين يحملون جنسيات أخرى، مثل أوستن تايس. وقد تمكنّا من إطلاق سراح مواطن أميركي من السجون عند وصولنا إلى دمشق، وسلّمناه فوراً إلى السلطات الأميركية. كما شكّلنا لجنة للمفقودين تُركّز على الأشخاص الذين يحملون الجنسية الأميركية وفُقدوا في سوريا، ونُنسّق مع السلطات الأميركية».
وأضاف الشرع: «التقيت ببعض عائلات المفقودين، ومن بينهم والدة أوستن تايس. إنها امرأة عظيمة - كما التقت بوالدتي، لأنّ والدتي كانت لها قصة مشابهة عندما اختفيتُ لسبع سنوات، وظنّ الجميع أنني قُتلتُ، باستثناء والدتي التي كان لديها ثقة راسخة بعودتي يوماً ما».
المرحلة الانتقالية وإعادة بناء الدولة
وأوضح الرئيس الشرع أن سوريا خرجت لتوِّها من حرب ضروس، وكانت تعيش في ظل ديكتاتورية ونظام قاسٍ سيطر على البلاد لمدة 60 عاماً. والآن تمر بمرحلة انتقالية. وخلال هذه المرحلة، هناك أوضاع وظروف وقوانين مختلفة عن الدول المستقرة، مضيفاً: «على سبيل المثال، بعد انتهاء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، هل استقرت الأمور بعد عام واحد؟ نحن في مرحلة إعادة بناء الدولة، واستعادة القانون وإعادة بنائه، لكنني لا أقول إنه لا توجد مشكلات في سوريا. هذا ليس نهاية المطاف».
وأوضح الشرع أن هناك مصالح فردية لبعض الجماعات التي تريد «حكماً ذاتياً»، وبعض هذه الأطراف تسعى لتبرير مصالحها مستخدمة طائفتها أو عقيدتها غطاءً، مضيفاً: «إنهم يتحدثون عن تهديد وجودي لطائفتهم أو عقيدتهم، لكن في سوريا نعيش في تعايش مع جماعات دينية مختلفة منذ أكثر من 1400 عام، وما زلنا موجودين، وما زال هذا التنوع قائماً».
الحرب ضد «داعش» و«قسد»
وبخصوص الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، قال الرئيس الشرع: «كنا في حرب معه لعشر سنوات، وفعلنا ذلك دون تنسيق مع أي قوة غربية أو أي دولة أخرى، وسوريا اليوم قادرة على تحمل هذه المسؤولية»، محذراً من أن تقسيم سوريا، أو وجود أي قوة عسكرية خارج سيطرة الحكومة، يُمثل البيئة الأمثل لازدهار «داعش».
وفيما يتعلق بالاتفاق مع «قسد»، رأى الشرع أن الحل الأمثل أن تُشرف القوات الأميركية الموجودة في سوريا على دمج قوات «قسد» في قوات الأمن التابعة للحكومة المركزية، وأن تكون مهمة حماية الأراضي السورية من مسؤولية الدولة.
الاعتداءات الإسرائيلية والمفاوضات
وحول الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة وانتهاكها للأراضي والسيادة السورية، قال الرئيس الشرع: «دخلت سوريا في حرب مع إسرائيل قبل 50 عاماً. ثم في عام 1974 جرى توقيع اتفاقية فكّ الاشتباك بين الطرفين. ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، بدأت إسرائيل بانتهاك الاتفاقية، وطردت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، واحتلت أراضيَ جديدة، وشنَّت أكثر من ألف غارة جوية على سوريا، منذ الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، طالت القصر الرئاسي ووزارة الدفاع (في دمشق)... لكن لأننا نريد إعادة إعمار سوريا، لم نرد على هذه الاعتداءات».
وشدد الرئيس الشرع على أن اعتداءات إسرائيل لا تنبع من مخاوفها الأمنية بل من طموحاتها التوسعية. وقال: «لطالما ادعت إسرائيل أن لديها مخاوف بشأن سوريا، لأنها تخشى التهديدات التي تُمثّلها الميليشيات الإيرانية و(حزب الله) اللبناني. ونحن من طردنا تلك القوات من سوريا».
وأوضح أن سوريا تنخرط في مفاوضات مع إسرائيل، وقطعت شوطاً طويلاً في طريق التوصل إلى اتفاق أمني: «لكن للتوصل إلى اتفاق نهائي، يجب على إسرائيل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الثامن من ديسمبر (كانون الأول).
ولفت إلى أن «الولايات المتحدة معنا في هذه المفاوضات، والعديد من الأطراف الدولية تدعم وجهة نظرنا في هذا الصدد. اليوم وجدنا أن الرئيس ترمب يدعم وجهة نظرنا أيضاً، وسيدفع بأسرع وقت ممكن للتوصل إلى حل لهذه المسألة».
الجنوب... أرض سوريا
ورداً على سؤال فيما إذا كانت سوريا توافق على «نزع السلاح من المنطقة جنوب دمشق»، أكد الشرع: «هذه أرض سوريا، ويجب أن تتمتع سوريا بحرية التعامل مع أراضيها»، مضيفاً: «احتلّت إسرائيل الجولان السوري بحجة حماية نفسها، وهي الآن تفرض شروطها في جنوب سوريا لحماية الجولان. لذا بعد بضع سنوات، ربما ستحتلّ وسط سوريا لحماية جنوب سوريا. وسيصلون إلى ميونيخ عبر هذا المسار».
العلاقة مع روسيا.. والأسد
وحول العلاقات مع روسيا قال الشرع: «خضنا حرباً ضد روسيا لعشر سنوات، وكانت حرباً قاسية وصعبة. أعلنوا أنهم اغتالوني عدة مرات. نحن بحاجة إلى روسيا لأنها عضو دائم في مجلس الأمن. نحتاج إلى تصويتهم ليكونوا إلى جانبنا في بعض القضايا، ولدينا مصالح استراتيجية معهم، لا نريد أن ندفع روسيا إلى خيارات بديلة أو أخرى في التعامل مع سوريا».
وأشار الرئيس الشرع إلى أن قضية بشار الأسد تُشكّل إشكالية بالنسبة لروسيا، والعلاقة معهم ما زالت في بدايتها، مبيناً: «سنحافظ على حقنا كسوريين في المطالبة بمحاكمة الأسد».
قد يهمك أيضــــــــــــــا
الشرع يؤكد حق سوريا في محاكمة الأسد وترمب يدعم وجهة نظرها بشأن انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل 8 ديسمبر
وزير الخارجية السوري يزور لندن بعد رفع العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر