أعلنت الرئاسة السورية وقفاً فورياً وشاملاً لإطلاق النار في محافظة السويداء جنوب البلاد، في خطوة تهدف إلى إنهاء موجة من العنف الدامي الذي شهدته المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، وأسفر عن مقتل أكثر من 700 شخص، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويأتي الإعلان بعد ساعات من اتفاق مماثل بين سوريا وإسرائيل برعاية أردنية وتركية، وسط تحركات إقليمية ودولية لاحتواء التصعيد المتفجر في الجنوب السوري.
وفي كلمة متلفزة، أكد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، أن الدولة السورية "نجحت في تهدئة الوضع رغم صعوبته"، مشيرًا إلى أن القصف الإسرائيلي الأخير على الجنوب ودمشق "دفع البلاد إلى مرحلة خطيرة هددت استقرارها"، على حد تعبيره. وأضاف أن وساطات أمريكية وعربية تدخلت لمنع انزلاق الأوضاع نحو مزيد من التصعيد.
الشرع حذر في كلمته من الاستقواء بالخارج، منتقدًا "استخدام بعض الأطراف للسويداء كأداة في صراعات دولية"، ومشيرًا إلى أن ذلك لا يخدم الشعب السوري بل يزيد من تعقيد الأزمة. كما قال إن انسحاب الدولة من بعض المناطق أدى إلى تصاعد أعمال انتقامية شنتها مجموعات مسلحة ضد البدو وعائلاتهم، ما دفع بعشائر أخرى إلى التدخل لفك الحصار عنهم داخل المحافظة.
ومع استمرار الاشتباكات المتقطعة في مدينة السويداء وريفها الشمالي، أعلنت وزارة الداخلية السورية بدء انتشار قوات الأمن الداخلي في المحافظة "في مهمة وطنية تهدف إلى حماية المدنيين ووقف الفوضى"، وفق بيان رسمي للمتحدث باسم الوزارة، نور الدين البابا.
في السياق ذاته، كشف السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن اتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع على وقف لإطلاق النار، بدعم مباشر من تركيا والأردن. ودعا باراك، في بيان عبر منصة "أكس"، جميع المكونات السورية من دروز وبدو وسنّة إلى إلقاء السلاح والعمل على بناء "هوية سورية جديدة وموحدة".
وفي تطور نادر، قال الجيش الإسرائيلي إنه تصدى لعشرات المدنيين من أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، عبروا من منطقة مجدل شمس نحو الأراضي السورية، قبل أن يعودوا أدراجهم خلال ساعتين. وبررت إسرائيل الغارات الجوية التي شنتها قبل أيام على مواقع حكومية في دمشق وجنوب البلاد بأنها تهدف إلى "حماية دروز سوريا"، مشيرة إلى أن قوات الحكومة السورية نشرت وحدات عسكرية إثر اشتباكات بين مسلحين دروز وعشائر بدوية.
وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية، أعلنت الحكومة السورية سحب قواتها "بالكامل" من السويداء، وجرى تكليف فصائل درزية محلية بحفظ الأمن، وسط ترحيب من الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، التي دعت إلى وقف الاقتتال والعودة لصوت العقل والحكمة، مؤكدة أن "الجبل لطالما كان ملجأ للمظلومين وموطنًا للتآخي".
ومع تصاعد الأزمة، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاع عدد القتلى إلى 718، بينهم 146 مقاتلاً و245 مدنيًا من الدروز، و287 عنصرًا من القوات الحكومية، بالإضافة إلى 21 من أبناء العشائر البدوية. وأكد أن 165 من الدروز و3 من البدو "أُعدموا ميدانيًا". كما قُتل 15 عنصرًا من القوات الحكومية جراء الغارات الإسرائيلية.
وفيما انهارت الخدمات الأساسية في المحافظة من ماء وكهرباء، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة عن نزوح أكثر من 80 ألف شخص منذ 13 يوليو، مشيرة إلى تعطل عمليات الإجلاء الطارئة بسبب نقص الوقود.
إقليميًا، أصدرت عشر دول عربية، إضافة إلى تركيا، بيانًا مشتركًا أعربت فيه عن دعمها لوحدة وسيادة سوريا، ورفضها للتدخلات الخارجية. ورحب البيان بالاتفاق الأخير لإنهاء الأزمة في السويداء، داعيًا إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، كما ندد بالهجمات الإسرائيلية المتكررة، مطالبًا المجتمع الدولي بدعم سوريا في جهود إعادة الإعمار.
وسط هذه التطورات، لا يزال جنوب سوريا يشهد حالة من الترقب الحذر، فيما يرى مراقبون أن وقف إطلاق النار، رغم هشاشته، قد يشكل فرصة لإطلاق حوار سياسي أوسع يعالج جذور الأزمة الطائفية والاجتماعية في البلاد، ويعيد رسم ملامح الاستقرار في السويداء وبقية المناطق المتوترة.
قد يهمك أيضـــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر